وفي القرن الحادي عشر نرى (البديعيات تحتضن التراث الأدبي) وذلك حين أخذت تسلك دوراً خطيراً في حياة الدراسة الأدبية عامة وحياة البلاغة بصفة خاصة. وهنا نرى أن المدائح النبوية التي حملت مشعل علوم البلاغة وأسهمت في تطور فنون البديع وأخذت في صورة أخرى تحتضن آثار المدرسة الأدبية حتى أصبحت هذه المدائح صناعة المتأدبين وطريقة السالكين لمذاهب الشعر. ومن هنا صارت تلك المدائح موضوعاً للأدب ومحطاً للأدباء وميداناً فسيحاً لجولاتهم وطريقاً ممهداً لمنافساتهم في العصر التركي الذي ضاع فيه ثلثا التراث الأدبي. فكانت المدائح النبوية في القرن الحادي عشر أشبه تماماً بالقيم الذي حافظ على تراثنا الأدبي والحصن الذي وجد فيه الأدب العربي حمى لزماره وموئلاً لآثاره. كما قامت بدورها الخطير في المحافظة في الذوق الأدبي: حافظت عليه حين كانت اللغة العربية تترك، وحافظت عليه من التصنيع والتصنيع اللذين ظهرا في كثير من أغراض الشعر والنثر؛ حتى كادا يوديان يقيمهما الفنية ولا سيما في عصر ركدت فيه سوق الأدب وضعفت فيه عناية القوم بالفن والقريض. . . ولولا هذه المدائح النبوية لتفاقم الخطب في التراث الأدبي أكثر مما كان، ولما وصل إلينا من أدب ذلك العصر التركي إلا كل مرذول ممجوج.
ولقد عاون على تنافس القوم فيها وتفننهم في نظمها - إذ ذاك - زهدهم الشديد في التقرب إلى الحكام والأمراء الذين كانوا لا يحسنون فهم الشعر ولا يجيدون قيمة المديح أو يكافئون عليه بشيء، فأنقلب الشعراء يمدحون النبي الأعظم وقصروا مدحهم عليه فعالجوا ضروب البديعيات وضاعفوا اهتمامهم بتحبيرها وتذبيحها. ومن ثم كانت هذه المحاولة مظهراً من مظاهر نضوج البديع في ذلك العصر. فوضع شهاب الدين الحميدي المتوفى سنة ١٠٠٥هـ بديعية (تلميح البديع بمدح الشفيع) في مائة وسبعة وعشرين بيتاً كما وضع أبو الوفا العرضي المتوفى سنة ١٠٣٤هـ بديعية (الطراز البديع في مدح الشفيع) في مائة وثلاثة وثلاثين بيتاً.