الإنسانية في القصة لا تكبر أو تصغر بما تحفل به من نوع الشخصيات وطراز الحوادث، وإنما تقوى الإنسانية في القصة بمقدار نصيبها من الصدق في تقمص المشاهد والمرئيات، سواء أكانت حيواناً أم جماداً أم من النبات، وسواء أكانت من سنة الطبيعة أم من الخوارق والمعجزات والأساطير.
فما دام الكاتب يتقمص الموضوع، ويسبغ عليه ذاتيته، فإن الشخصية القصصية تبدو على وضعها الحق، وتنطق بما هو مقدار عليها أن تقوله، وتجري الحوادث في مجرها الذي لا حِوَلَ عنه، وتتواثق المشاهد في ألفة وانسجام، فتخرج القصة وحدة متناسقة لا يحس القارئ فيها من نفرة ولا شذوذ، على الرغم مما قد تحتويه من تهاويل وتعاجيب.
لا يوهن من إنسانية القصة إلا ضعف التقمص، وانغلاق الإحساس الذي ينحدر بالكاتب إلى مزالق الكذب والتزوير، سترا للضعف، وتعوضاً من ذلك الانغلاق.
فأما الخوارق أو الأساطير أو ضروب الجماد والنبات وما إليها، فتلك لا تحول بين القصة واتصالها بالإنسانية، إذا عرف الكاتب القصصي كيف تمتزج روحه بالطبيعة والوجود ويحيا الكون فيه كما يحيا هو في الكون، فيستطيع أن يحيى تلك الموضوعات في نفسه، ويهبها من ذاته، ويكون كأنما قد عاش عيشتها، وكتبت عليه حياتها. . .
ليس روح الفن الإنساني إلا أن يمتزج الفنان بما يحيط به من موجودات، يبادلها الحياة والشعور وكأن بينه وبينها (وحدة وجود). . .
وعلى أساس هذه الحقيقة بقيت القصة الإغريقية خالدة الأثر وأُقيمت بها دعامة القصة العالمية، مع أن قصص الإغريق مناطلها الأساطير والخوارق، ولكنها أساطير تهتز فيها خفقات الحياة، وخوارق تتمثل فيها نزعات النفس. ولذلك ظلت تستجيب لها الأزمنة والعصور على تعاقبها، لما يسري فيها من روح إنسانية صادقة.
ويا رب تمثال لفنان صادق التعبير قوي الأداء، تقف أمام حجره فلا تكاد تتوسم سماته الناطقة، حتى تحس أواصر الإنسانية تؤلف بينك وبينه، ويا رب شخصية قصصية رسمتها