أنامل كاتب فنان، لا يكاد يطالعها القارئ حتى يحس لها وجوداً في المجتمع وأصالة في الحياة، فيعيش معها كأنها حي متميز من بين الأحياء الذين تربطه بهم مختلفف الصلات.
فلا غرو أن نرى أبطالا من خلق الفنانين تتوهج ذكراهم، وتتمثل حياتهم، فيزاحمون بشخصياتهم الممتازة أولئك الأبطال الآدميين الذين يعمر بهم تاريخ العصور.
وعنصر الصدق في التعبير الإنساني، قد يبلغ من قوته في الأعمال الفنية أن يكتب الخلود لمحاولات بدائية يعوزها الكثير من عناصر الفن الأخرى.
فمما لا ريب فيه أننا نهتز لمشاهدة قطعة من الفن البدائي، تمثالاً كانت أو صورة أو قصة، إذا توسمنا فيها لوامع إنسانية تثير فينا شعور الصلة بيننا وبينها. ولعل هذا سر بقاء القصص الشعبي على تعاقب الحقب مثاراً لشعورنا، ومهزة لإعجابنا، مع افتقار هذا اللون من القصص إلى كثير من عناصر القصص الفني القمينة بأن تخلده على وجه الزمان.
ولا يتوافر الصدق في التعبير الفني إلا لمن أوتي قدرة على التقمص الحق، أو الاستيحاء والاستلهام لما يريد التعبير عنه من موجودات الكون وموضوعات المجتمع وشئون الحياة.
وكلما قوي تقمص الفنان صدقت إنسانيته فجاد عمله، وإنما تنقص درجة الجودة، ويضعف التعبير، على قدر الوهن الذي يعتري الفنان في تقمصه.
ففي ميدان الرقص مثلا هيهات أن تحس الراقصة تأدية موضوعها إلا إذا عاشت فيه وتمثلته كل التمثل، فتؤدي بحركاتها وإيماءاتها واختلاجاتها حياة الموضوع الذي اتخذته مادة للتعبير.
وهل في طوق راقصة أن تؤدي الرقصة المعروفة بـ (موت البجعة) حق أدائها إن لم تتقمص روح هذا الضرب من الطير وتمزج نفسيتها بنفسيته، فكأنما هي الطائر، تعبر عنه بمقدار بمقدار فهمها لكنهه واستصغائها لسريرته؟
على أن القدرة على التقمص لا تكفي في اكتسابها الرغبة والإرادة والمحاولة، وإنما هي في أغلب ما تكون استجابات نفسية تستبد بما بين أحناء الضلوع.
وهذه القدرة على التقمص لا تسلس بالمظاهر، ولا تتأتى بضروب التكلف والصنعة، فلابد أن تستند إلى مؤثرات طبيعية وتأثرات باطنة.
وحسبنا مثلا لذلك شخصية (المتعبد)، فقد تعاقب على محاولة تقمصها ألوف من سدنة