تحدثنا عن دعوة الإسلام إلى الزواج؛ لأنه الرباط الوثيق - أولاً - بين الأفراد في محيط الجماعات الصغيرة، ولأنه - ثانياً - الدعامة التي يرتكز عليها البِنَاء القومي في تكوين شعوب، وقبائل يعمر بها الكون، وتؤدي رسالة البشرية بما يجري على يدها من الإنشاء والإبداع والتعمير، وإبراز ما أودع الله في الكائنات من إمارات وجوده. وذلك هو مظهر الحياة الذي كان من أجله آدم خليفة في الأرض عن ربه، وكانت خلافته على هذا النحو إرثاً بين أعقابه إلى ما شاء الله
فإن يكن تكوين الجماعة القوية المنظمة هو الهدف الأهم الذي يرمي إليه الإسلام من وراء الحياة الزوجية، فمن شأن الإسلام أن يرشدنا إلى طريق الدخول في حوزة هذه الحياة، ومن شأنه أن يقيم لنا على جوانب هذه الطريق معالم لا يضل معها من استجاب للدعوة
ومن الحصافة - وقد فعل الإسلام - أن يأخذ المرء نفسه بالتبصر، والأناة، وتقدير الغاية، حتى إذا أقدم أقدم عن بينة لا يشوبها تردد، ولا يلاحقها ندم
وقد حدثنا الرواة أن الاتصال الزوجي على عهد الجاهلية كان على ضروب شتى، وكانت نظمهم في ذلك وليدة عرف قاصر مشوه، وأخلاطاً من عادات موروثة ملفقة؛ لذلك لم تخل وسائلهم في الحياة الزوجية من أنواع معيبة لا تكفل سلامة النسل من الدخالة، ولا تأتي بنظام للجماعة على النحو ولا قريباً من النحو الذي يتوخاه الإسلام
جاء الإسلام فعزف عما كان لدى الأعراب من الوسائل، وعفي عليها، إلا وسيلة واحدة فيها سمو بالمرأة عن الريبة، وسمو بالرجل عن الطيش والرعونة، وفيها صيانة للأسباب أي صيانة
تلك وسيلة الخطبة التي تدور حولها آي القرآن وأحاديث الرسول، وعليها جرى العمل بين سلف المسلمين، وبين الخلف الذين لم يمسسهم أفن الرأي وانحلال العقيدة، ولم ينزعوا إلى