أقام السير رونالد ستورز طويلاً في القاهرة، واشترك في كثير من حوادث مصر والشرق الأدنى قبل الحرب العظمى وبعدها، وأعطى نفسه نصيباً وافياً من المتعة بالأدب والفنون ولاسيما الموسيقى والتصوير إلى جانب اشتغاله بالسياسة خافيها وظاهرها. وقد لقيته مرة أيام البحث في تحويل (الأوقاف) من ديوان إلى نظارة، وكان يومئذ (سكرتيراً شرقياً) لدار الوكالة البريطانية، فبدأنا الكلام بروايات برناردشو والنقد الإنجليزي الحديث، ثم استطردنا إلى أعمال الاحتلال والإدارة الوطنية فقال: أظن أن ديوان الأوقاف مختل لأنه المصلحة الوحيدة التي ليس عليها رقابة أجنبية! ولا أدري أكانت هفوة لسان منه أم كان سبراً لغوري واختباراً لمقدار ما يستبيحه من الأقوال والآراء على مسمع مني في صدد الأوقاف وتحويلها إلى رقابة الحكومة. فقلت له: إن المجلس البلدي الإسكندري أعظم اختلالاً من ديوان الأوقاف وهو مملوء بالرقابة الأجنبية. فاستدرك كلامه الأول وأخذنا في حديث آخر، وانصرفت وهو يقول بعد انصرافي للأستاذ حسين روحي الذي كان واسطة التعارف بينه وبيني:(صاحبك لا يزال في بداية الشباب)
ولم أره بعد ذلك، ولكني سمعت بمشروعاته الكثيرة ومنها ما حدثني به في تلك الزيارة، كإحياء صحيفة (المؤيد) وإنشاء بعض الصلات الأدبية والفكرية بين الغرب والشرق على أيدي المثقفين من الأوربيين والمصريين. ثم وصل إلينا في هذا الشهر كتابه الذي أسماه (تشريقات) أو مشرقيات، وضمنه تاريخ حياته في مصر وفلسطين وقبرس وبلاد العرب وغيرها من الأقطار الشرقية القريبة، فإذا هو كتاب حافل بالملاحظات واللمحات كما ينتظر من تعليقات رجل سياسي فنان حسن المراقبة للناس والمتابعة للحوادث والأحوال. ولقد أخطأ في بعض هذه الملاحظات واللمحات خطأ ربما ساقه إليه حب الزخرفة والتنميق. ولعلنا نعود إلى بيان بعضه في مقال آخر، ولكني أردت في هذا المقال أن أقف عند ملاحظة لاحظها على أسماء الخدم والخصيان في قصر الأميرة نازلي وغيره من القصور، وهي أنها محصورة في محاكاة الجواهر والرياحين قلما تخرج عنها، لأنني عنيت بهذه الأسماء في بعض الأوقات ودار البحث فيها بيني وبين أناس من المشتغلين بعلم النفس في