المدارس المصرية العليا، فعللوها تعليلاً يخالف ما اعتقدت ولا يوافق المتواتر عن تاريخ الزنوج والعبيد
كنا في إحدى المكتبات العامة فدخل إليها خادم زنجي له اسم من أسماء الجواهر، فقال أستاذ واقف معنا: ألا ترون (مركب النقص يفعل فعله في أسماء هؤلاء الخدم؟ إنهم يشعرون بما لهم من بخس القيمة فيعوضونها بنفاسة الأسماء!)
وكان هذا التعليل يستقيم على ذلك الوجه لو أن الخدم الزنوج يختارون الأسماء لأنفسهم ولا يختارها لهم النخاسون والسادة الذين يشترونهم، ولكن الواقع أنهم يسمون بغير علم منهم، وعلى غير معرفة باللغة العربية ولا بأسماء الجواهر والرياحين فيها أو في غيرها
وإنما الحقيقة على ما يبدو لي أن رغبة السادة هي الملحوظة في التسمية لا رغبة العبيد والخدم المبيعين، ولهذا يقصرون تسمية العبيد على نوع من أربعة أنواع بين الأسماء: المقتنيات النفيسة وما شابهها من الرياحين الجميلة، أو ألفاظ التفاؤل، أو الشهور والأيام التي تم فيها الشراء أو تمت فيها الولادة، وإلا فكلمة عبد مضافاً إليها اسم من أسماء الله الحسنى كعبد الله وعبد الكريم وعبد الباسط وما يشعر بالتفاؤل والدعاء خاصة
فالخصيان والعبيد يسمون بجوهر وفيروز ومرجان وياقوت ولؤلؤ وألماس كأنهم قنية نفيسة يباهي بها صاحبها؛ ويلحق بهذا تسميتهم بريحان وكافور ونرجس كأنهم من أدوات التجمل والزينة في البيوت
فإن لم يكن هذا فهم يسمون بما يدل على التفاؤل والاستبشار بالخير بعد شرائهم، فيدعونهم بسعيد وبخيت وسرور وفرحات وقدم خير وخوش قدم وما إلى ذلك من ألفاظ التمني والرجاء؛ والملحوظ في ذلك هم المالكون كما أسلفنا لا العبيد والجواري
فإن لم يكن هذا ولا ذاك فأسماء العبيد تكثر فيها أسماء الأيام والشهور والمواسم مثل خميس وجمعة وشعبان ورمضان ومحرم وعيد وربيع، لأن مالكيهم حين يشترونهم لا يعرفون لهم سمة يسمونهم بها غير اسم اليوم أو الشهر الذي كان فيه الشراء
عنيت باستقصاء هذه الأسماء ودلالاتها في بلدي أسوان حيث تعيش جمهرة من الزنوج السود، وحيث يندر بيت لا يكون فيه عبد أو جارية من بقايا أيام الدراويش
ثم التفت إلى الأسوانيين أنفسهم فتبين لي من أسمائهم وحدها أن البلدة (عصبة أمم) عجيبة