كان الأدب العربي مثال الكمال والروعة والازدهار والانتشار في دولة الأمويين وفي صدر الدولة العباسية. وكان نصيب الحجاز من هذا الازدهار طيباً مرموقا، واقتضى خلوه من الأحداث السياسية أن يحيا مغموراً حتى تجرد من العلم والثقافة وصفر من الرجال الممتازين، وعملت الهجرة على محو مقوماته ومميزاته
ثم بدرت بادرة من بوادر النهوض ونسمة من نسمات الحياة بعد فنفخت في الحجاز روح اليقظة الفكرية فأخذ يسترجع ماضيه بفضل جهود البعض من أبنائه المخلصين الذين جرى في عروقهم الدم الحجازي الحر فتأثروا لتدهوره تأثراً قوياً جعل قلوبهم تتقطع أسفاً وحزناً على الماضي العزيز الذي ذهب هباء منثوراً وغرق الحجاز بعده في الجهالة وأضاع تراثه المجيد
سرت اليقظة في أفكار بعض شباب الحجاز وأحسّوا بالواجب الوطني وتنبهوا إلى فضل الأدب في نهضات الشعوب فتأسست لجان للاجتماع، ونواد للأدب حيث قاموا فمثلوا حركة أدبية لا تشوبها شائبة بالنسبة إلى تلك الحالة وبالنسبة أيضاً لعدم وجود مؤهلات كافية لدرس الأدب، حتى المدارس كانت إذ ذاك بسيطة جداً يتخرج منها التلميذ وهو لا يعرف من مواضيع الحياة شيئا
ثم جاء دور التكوين للنهضة الفكرية وكان ذلك قبل عشرة أعوام تقريباً نظم في خلالها أدباء الحجاز الشعر وكتبوا النثر ونشروا نماذج منه وأعلنوا عن أفكارهم وسجلوا آراءهم، فشعر الحجاز حينذاك بدبيب الحياة يتمشى فيه، وأحس بجمال الأدب والفن معاً، وحينذاك قام أحد أدباء الحجاز البارزين وأصدر كتاباً أدبياً يضم بين دفتيه مختارات لأدباء الحجاز فأثبت للأمة أن هناك أدباً راقياً يدعى الأدب الحجازي. وقد تجد في هذه المجموعة روح الحجاز الأدبية ممثلة من حيث صحة النزعة وبساطة التفكير وجماله، فكان عمل هذا الأديب بشير يقظة فكرية منظمة، وقد كان الأدب الحجازي في ذلك العهد بسيطاً شأن كل شيء في بدايته. ولكن الأفكار كانت سائرة مع الحياة متأثرة باتجاهها فلم يمض وقت طويل حتى نضجت تلك الأفكار، وازدهر الأدب بعض الازدهار، ولولا ما نشأ بعد من عوائق