لهم معه من الحجاز فهم كثيرون جداً، لا يكاد يأخذهم إحصاء. وانتهى به المطاف إلى ضحيته (خيرة) فدخل عليها وهي في منزلها، وقد أثرت من حياتها الجديدة الماجنة وأصبحت ذات مال فخجلت لمرآه وأدركها الحياء، غير أنه أخذ يزين لها ما هي فيه، ويزعم لها أن الله قد غفر لها جميع ما اكتسبت من الخطيئة والإثم. وقال لها: يا بنيتي إني أرى في المنام أن سيد الوجود (ص) يقول لك: طوفي بالبيت العتيق وزوري قبري تخرجي من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، فإن لم تستطيعي إلى الحج سبيلا، فليحج عنك هذا الرجل الصالح (يعني الشيخ نفسه). ولم يزل بها حتى آمنت له، ودفعت إليه سائر النفقات ليحج عنها. فلما آب جاءها ببعض الهدايا مكتوباً عليها:(إلى الحاجة خيْرة)!
كان الناس في بحبوحة من اليسر والرخاء تملأ أيديهم الدراهم والدنانير فكان الشيخ في نعيم وعيش رخيم، يأتيه رزقه رغداً من كل مكان: هذا يعطيه رطلاً من اللحم ويحمله له راتباً يومياً، وذاك يعطيه شيئاً من الخضر والفواكه، ويجعله له عطاء غير مجذوذ، وذلك يهدي إليه قنطاراً من السميد، ويجعلها له جراية شهرية وهكذا الخ الخ، فكان إذا دخل السوق خرج منها و (قفته) ملآى - مجاناً - بكل ما هو في حاجة إليه. فلما أعسر الناس، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم من شدة ما يعانون من ضنك وضيق نضبت موارد الشيخ، وانقطعت عنه الرواتب والعطايا، ولم يعد يملأ (قفته) بالمجان، ولم يعد يلتمس لنفسه صدقة جارية عند أحد الباعة إلا وجدها قد بطلت. وقطعت الأزمة دابرها، فالأزمة إذن هي السبب الأول في مصاب هذا الشيخ، وزملائه من الأشياخ، فإن كان لابد لهم أن يلوموا هذه الأزمة الخانقة، وليلوموا بعدها هذه اليقظة الشاملة التي شملت الدنيا كلها، ثم يأتي بعد ذلك دور هؤلاء المصلحين