للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من أساطير الإغريق

بجماليون المثال

أسطورة الفنان الذي عشق أحد تماثيله

للأستاذ دريني خشبة

في مدينة أماذيس، الراقدة كالحمل بين مهاوي الجبال على شاطئ قبرص الجنوبي، كان يعيش المثال بجماليون عيشة كلها عزوف عن العالم، وانزواء عن مشاغل الحياة، وهرب من الناس. كان يأوى إلى ممثله إذا تنفس الصباح، ويكب على عمله حتى تواري الشمس بالحجاب، فيأوي إلى فراشه، سادر النفس، معمود القلب، مكتئباً حزيناً

ولم يكن حزنه من نوع هذه الأحزان التي تتعارفها قلوب أبناء آدم، بل كان حزناً فريداً في نوعه، غريباً في أسبابه، شاذاً في دواعيه، حتى لنحسب أن أحداً من الناس لم يشق بمثله من قبل. . . . ولا من بعد

كان في بجماليون صدود عن الناس شديد، لا يراهم جديرين بتودد، ولا حفيين بمؤاخاة. ومع أنه كان يضفي من عبقرية على تماثيل الآلهة التي طالما تفننت فيها يده الصناع، فكان يخرجها على نسق الفاتنات الحسان، وفي سمات الغيد القيان، فانه لم يصب مرة إلى امرأة، ولم ترتبط أسبابه بفتاة. فكأنه كان يسمو بحبه على النساء، وإن كن في الحقيقة صاحبات وحيه، وفيض نبوغه، والمع الخاطفة التي يتجه شطرها مثله الأعلى

ولم تكن هذه الحياة الصحراوية التي يحياها لترضيه، ولا تلك المعيشة الآلية التي أغطشت أيامه لتقنع خياله الخصب، وقلبه الرحب. لقد كان يقف منقبض الصدر، مغلول الروح، أمام هذه الدمى الصامتة، والتماثيل الخرساء، التي صنعها لأبوللو، ومينرفا، وديانا، وكيوبيد، وفلكان!

ولقد كانت المناحت والأزاميل، والمثاقب والمناشير، والمبارد والمناعم، وكل عدده تثير في نفسه السخط على الحياة، والبرم بالأيام، كلما فكر في حاله فعلم أنه يحيا بلا حب، ويعيش بلا أمل، ويعمل بلا غرض، ويسعى إلى غير مطمح!

<<  <  ج:
ص:  >  >>