الشعر تمثيل وتصوير، قبل أن يكون لفظا منمقا وكلاما مزوقاً، وكما تعجبنا دقة الراسم حينما يبرز الأضواء والظلال، والألوان والشكول، لصورة من الصور، فكذلك تعجبنا يقظة حواس الشاعر حين يصور لنا في منظومه وأبياته ما يرسمه الراسم بريشته وألوانه وحين يبدي لنا الشاعر حور العيون، وسحر الجفون، وحمرة الخدود، وبروز النهود، بتمثيل وتصوير لا بريشة وألوان، كلا الفنانين ممثل للحقيقة إلا أن الراسم يصوغها شكولاً وألوانا، والشاعر ينقلها شعورا ووجدانا
قد يجتمع - وهذا نادر - للراسم خيال الشاعر، وللشاعر دقة الراسم، فان كل شيء من ذلك فقد استوى كل منهما على عرش الفن - فأي الرجلين كان ابن الرومي؟
كان ابن الرمي رساما فنانا، ومصورا ماهرا، مرهف الحواس شديد التأثر بالطبيعة كأن أعصابه أسلاك كهرباء وعينيه عدسة الكامرا ينطبع عليها مختلف المناظر والصور. وكأن أذنه - ميكرفون - موكل بالتقاط دقيق الأصوات وجليلها. وكان ابن الرومي أيضا شاعرا مطبوعا واسع الخيال، خصب الشعور، مشبوب العاطفة. ولئن حق لأبي العلاء أن نسميه شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء. فمن حق ابن الرومي ان يكون شاعر المصورين ومصور الشعراء
لأن في شعره دقة المصور وتعدد الوانه، وروعة خيال الشاعر وسمو عواطفه. وهو حين يصف قينة شادية، يستهويك من شعره عاطفة مشبوبة وخيال خصب، ثم تصوير دقيق وإتقان للألوان الطبيعية.
وقينة إن منحت رؤيتها ... رضيت مسموعها ومنظرها
شمس من الحسن في معصفرة ... ضاهت بلون لها معصفرها
في وجنات تحمر من خجل ... كأن ورد الربيع حمرها
وللمشاهد الطبيعية الفاتنة، ومجالي الربيع الموقنة، لوحات ساحرة في شعر ابن الرومي ونحب أن نعرض عليك لوحة من هذه اللوحات لترى صدق قولنا. قال يصف روضة