للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العيد]

للأستاذ محمد عرفة

- ١ -

لست مسرفاً إذا قلت إن كثيراً من الناس يعيدون ولا يدركون معنى العيد، ولا الغرض المقصود منه. لا يدركون من العيد إلا أنه يوم عطلة، يفرغ الناس فيه من أعمالهم، ويتفرغون إلى طعامهم وشرابهم ولعبهم ولهوهم

فعلينا أن نعمل لنفهم معنى العيد لنودعه على الوجه الأكمل. إن الناظر إلى أعيادنا الإسلامية التي شرعها الإسلام يرى أنها تكون عقب عبادة طويلة شاقة مضنية، فيها جهاد للنفس والشهوات. فعيد الفطر يأتي في أعقاب الصيام، والصيام عبادة شاقة، فيه منع النفس من شهواتها، وفيه الصبر عن الطعام والشراب، فإذا انتهى شهر الصوم حل عيد الفطر، فيفرح فيه المسلمون ويوسعون على أنفسهم وعيالهم وعلى فقرائهم. وعيد الأضحى يقبل بعد أن كادت تتم أعمال الحج، وفي الحج سفر طويل، ونفقة كثيرة، ومنع النفس من بعض الطيبات، فإذا جاء عيد الأضحى ذبح المسلمون ذبائحهم ووسعوا على أنفسهم وعيالهم وفقرائهم

ولعلكم بعد هذا قد أدركتم معنى العيد، وفهمتم سر فرح المسلمين فيه. لعلكم أدركتم انهم يفرحون في عيد الفطر بشيء سام، هو النصر: النصر على الشهوات، لأنهم مكثوا شهراً يمنعون أنفسهم في نهاره عن الطعام والشراب وبقية الشهوات الشهية إلى النفس والمحببة إليها فانتصروا؛ والنصر على الشيطان، فقد أراد إغواءهم وإضلالهم، واستعان على ذلك بالشهوات الممنوعة، والنوازع القوية، فانتصروا، لم تتغلب عليهم الشهوة، ولم يتغلب عليهم الشيطان، في هذا الكفاح. وما قلناه في عيد الفطر يقال في عيد لأضحى، فهو عيد النصر: النصر على النفس، والنصر على الشيطان؛ وسواء فيه الحاج وغير الحاج، فالحاج جاهد وصابر واحتمل الآلام واجتاز الأهوال وخرج من المعركة مظفراً منصوراً. وكذلك من لم يحج، العيد عيده، وهو به جد فرح مستبشر، وبشره بشر المسلم بالنعمة تتم على أخيه المسلم، ونصره وظفره لأن الله نصر إخوانه الحجاج، فوفقهم جميعاً لأداء الحج وإتمام عبادة من أسمى العبادات، ومسرته لأن الله اقدر المسلمين على إتمام موسم الحج، فلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>