يمنعهم قاهر ولا متسلط عن أقامته، فهو مزهو فخور وفرح مستبشر بعزة الإسلام وتمكين الله له في الأرض
وفي العيد - فوق هذا النصر وذلكم التوفيق - تقوية للروابط الوثيقة بين المسلمين، لأنهم يشتركون جميعاً في استقباله والترحيب والسرور به؛ والاشتراك في العاطفة داع إلى المحبة، واشتراك الجماعة في أمر يعمهم ويشملهم مشعر لهم بأنهم وحدة، عواطفهم واحدة، وآمالهم واحدة، وآلامهم واحدة. ولست تجد ادعى إلى المحبة من الاشتراك، ولا ادعى إلى التنافر من الاختلاف. ثم هم يشتركون قبل ذلك كله في أيام أعيادهم في شؤون الحياة وأمور القوت اشتراكاً يظهرهم في أروع مظهر من مظاهر التضامن الاجتماعي الوثيق، ففي عيد الفطر يخرج المسلم صدقة الفطر قبل صلاة العيد، وفي عيد الأضحى يذبح أضحيته ضحى يوم العيد، ويأخذ الفقراء حقوقهم من الصدقة والأضحية، فيفرغون إلى العيد واستقباله والفرح به والشعور بجماله، لا يشغلهم عن ذلك طلب القوت ومشكلات المعيشة؛ ويعم البشر والسعادة الناس جميعاً، فالأغنياء يفيضون من سعادتهم وبشرهم على إخوانهم من الفقراء
وفي العيد معان كثيرة أروعها أنه عيد النصر وعيد الظفر على النفس والشيطان؛ والمسلمون يفرحون بالعيد، لأن الله امتحن عزائمهم فوجدها قوية، وصبرهم فألفاه ثابتاً، وأيمانهم فألفاه راسخاً، وخرجوا من الامتحان مؤمنين، أقوياء، راسخين، بل خرجوا منه اشد واعظم شعوراً بمعاني القوة والإيمان.
وهذا المعنى في العيد يجعل الفرح فيه عبادة، لأن الفرح بإتمام العبادة عبادة، والفرح بقهر الشهوات عبادة، والفرح بالتغلب على الشيطان وجنده عبادة.
هذا المعنى في العيد يسمو بالعيد عن العبث، ويجعله معنى سامياً يوحي إلى النفس معنى العزة بالنفس، ومعنى القوة والغلبة، ومعنى العظمة والانتصار، يوحي إلى النفس معنى قوة الإرادة، ويوحي إلى الناس معنى تثبيت إنسانيتهم، وانهم خرجوا عن الأفق الذي تملكهم فيه شهواتهم إلى الأفق الذي يملكون فيه شهواتهم. والنفوس إذا أوحي إليها بما فيها من معان سامية ازدادت فيها رسوخاً، وحفرها هذا إلى تحصيل غيرها من الخلق الفاضل الكريم
أرايتم كيف كان العيد معنى إنسانياً سامياً بعد أن كان أمراً حيوانياً ضئيلاً جافاً لا حياة فيه