لم تمتع جمعية علمية بحياة طويلة ثابتة المبدأ متصلة الكفاح باهرة النجاح كما تمتعت الجمعية الملكية في لندن، مع أنها ليست أقدم الجمعيات العلمية في العالم؛ فهي تعود في تاريخ تأسيسها إلى الحرب الأهلية، إذا اجتمع سنة ١٦٤٥ نفر من رجال العلم الذين يفيضون غيرة وحماسة، ويأنفون أن تتخبط البلاد في المنازعات السياسية والعصبيات الدينية، وأرادوا أن يتوجهوا بالفكر إلى ميادين أسمي وأكثر جدوى، وجعلوا غرضهم المباشر فهم قضايا الفلسفة التجريبية التي ظهرت على مسرح فكرهم حديثاً. وقد عقد الاجتماع الأول في كلية جريشام في مدينة لندن. ونقل مكان الاجتماع إلى كلية وادهام من جامعة أكسفورد عندما انتسب جون ولكنز مدير هذه الجامعة إلى المؤسسة الناشئة، وكان من أوائل منشطيها ومشجعيها
وفي سنة ١٦٦٢ أصدر الملك شارل الثاني مرسوماً بتأسيس الجمعية، واعتبارها هيئة تعاونية رسمية. ويصلح هذا التاريخ أن يكون بحق فجراً جديداً في تاريخ العلم، ومبدأ نهضة وهاجة السنا باهرة الإشراق. وكيفما كانت الصورة الماجنة المستهترة التي تقدمها كتب التاريخ عن مؤسس الجمعية الأول شارل الثاني، فلا ريب أنه كان يقدر العلم والعلماء، ويرى ببعيد نظره يمكن أن يدر تشجيع العلم على ثروة البلاد من المغانم الكبرى والربح الوفير. وكان سياسياً حاذقاً ومثقفاً واعياً عندما اكتسب لنفسه لقب مؤسس الجمعية الأول. وكان مدركا لروح العصر الجديد الذي تميز بهدم تعاليم أرسطو على يد نبي العلم (بيكون)، وبنبذ الخرافات والشعوذات، وبالانصراف عن العلم المنقول إلى الطريقة التجريبية والتحقيق العلمي
وكان هدف الجمعية كما ورد في مرسوم تأسيسها (تحسين المعرفة الطبيعية). وناضلت الجمعية في سنيها الأولى نضالاً عنيفاً قاسياً، فلم يمدها مؤسسها الأول بالمال الذي رصده لها، كما لم يتمكن أعضاؤها من دفع رسم الاشتراك، أو لم يرد بعضهم ذلك. إلا أنه لما تبوأ نيوتن كرسي الرياسة (١٧٠٣ - ١٧٢٧) تحسن دخل الجمعية، لأن العلم المنظم وصل مستوى عالياً من النجاح والتطبيق على يد العالم العبقري الفذ نيوتن الذي فرض احترامه