حين رأى العرب أن من الناس من يستبيح لنفسه وضع الأحاديث ونسبتها كذباً إلى رسول الله، ولما كان الحديث من أغزر المنابع للتشريع الإسلامي في العبادات والمسائل الدينية والجنائية، لهذا ودفعاً لكل فوضى في وضع الأحاديث فقد وضع جماعة من العلماء الصادقين طرقاً لتنقية الحديث مما ألم به وتمييز صحيحه من موضوعه. وقد سلكوا في ذلك طرقاً دقيقة علمية يصعب معها التلاعب أو الاختلاق كما وضعوا قواعد للتوصل إلى الحقيقة في الحديث (تتفق في جوهرها واتجاهها والأنظمة التي كشفها علماء أوربا فيما بعد في بناء علم الميثودولوجية. . .).
قال علماء الحديث بالأمانة في نقل الحديث وفرض وجود تحري نص لأجل الوقوف على اللفظ الأصلي. ولقد وضع القاضي عياض رسالة في علم المصطلح هي أنفس ما صنف في مجموعها (وقد سما بها القاضي إلى أعلى درجات العلم والتدقيق. . .) ويعترف الدكتور أسد رستم بفضلها فيقول (. . . وعلى الرغم من مرور سبعة قرون عليها فأنه ليس بإمكان رجال التاريخ في أوروبا وأمريكا أن يكتبوا أحسن منها في بعض نواحيها. وإن ما جاء فيها من مظاهر الدقة في التفكير والاستنتاج تحت عنوان تحري الرواية والمجيء باللفظ يضاهي أدق ما ورد في الموضوع نفسه في أهم كتب الإفرنج في ألمانيا وفرنسا وأمريكا وإنكلترا. . .).
وطالب علماء الحديث بتعيين رواة الحديث والتدقيق في معرفة قيمة المحدث ووضعوا قواعد لتجريحه وتعديله. فلقد جاء في بعض مصنفاتهم ما يلي: قال الإمام مالك بن أنس، وكان ذلك قبل أثني عشر قرناً:(. . . لا يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك: لا يؤخذ من سفيه ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم على أحاديث الرسول، ولا من شيخ له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به. . .).
وهناك أقوال لغير هؤلاء تبين القواعد التي على أساسها يؤخذ الحديث وتوضح الصفات التي يجب أن يتحلى بها الراوي لقبول روايته. وقسم العلماء الحديث بحسب قوته والأخذ