من المصادفات الطيبة أن تنشر هذه الكلمة في وقت الذكرى الثالثة عشرة لوفاة شيخنا الرافعي رحمه الله، ولا يسعنا بهذه المناسبة الكريمة إلا أن نبعث إلى روحه الظاهرة في فردوسها عند بارئها بأطيب التحية سائلين الله سبحانه أن يسيغ عليها من رحمته ورضوانه أنه سميع مجيب.
نشرت مجلة الرسالة الغراء كلمة للأستاذ محمود محمد بكر هلال بعنوان (تطور اللغة العربية) نقل فيها كلاماً لشيخنا الرافعي رحمه الله يشير فيه إلى مذهبه في الاجتهاد اللغوي، وقد رأينا أن نعزز هذا الكلام بأقوال أخرى لهذا الحجة الكبير تزيد مذهبه وضوحاً.
كان الرافعي رحمه الله إماماً في اللغة كما كان إماماً في الأدب. وقد وصل بهذه الإمامة إلى درجة الاجتهاد في اللغة لا يقلد أحداً ولا يتابع إنساناً.
قرأت له في أحد كتبه أنه نسب إلى (الأخلاق) فكتبت إليه أن النسبة - كما تقضي قواعد النحو - إنما تكون للمفرد لا إلى الجميع، فجاء منه خطاب مؤرخ أول يونيه سنة ١٩٢٧ جاء فيه (ملاحظتك على النسبة إلى الأخلاق ليست في محلها، فإن النسبة حقيقة للمفرد ولكن في مثل هذه الكلمة يكون الأفصح أن ينسب إلى الجمع؛ لأنهذا الجمع أصبح كالحقيقة العرفية الدالة على مفرد؛ فالأخلاق علم معروف متميز بنفسه وبهذا صار كالحقيقة المفردة وكانت النسبة إلية أدل على المعنى المقصود، وتأتي الكلمة أبلغ، وتنزل من الأسلوب منزلة ترضي. والمدار عند العرب على الاستخفاف والاستثقال، فلو خالفوا القياس لهذه العلة لتكون الكلمة أخف وأفصح لكان ذلك وجهاً صحيحاً، فكيف وههنا الحقيقة العرفية التي ذكرتها لك)
واستعمل في كتاب أوراق الورد كلمة (أوحى لها) فكتبت إليه أن الأفصح كما جاء في القرآن الكريم أن فعل (أوحى) يتعدى (بالى) فجاء منه خطاب مؤرخ ١٤ ديسمبر سنة ١٩٣٢ قال فيه (أما - أوحى لها - فهي بنصها كلمه شاعر أوراق الورد في مقالة له، فربما كان سبب وضعها هو تذكره وهي في موضعها أفصح من (إليها) كما يظهر لك من نطق الجملة من أولها مرة (بلها) ومرة (يا ليها) وأنا عادة أراعي موقع الحرف في