قرأت كلمة الأستاذ زكي طليمات في الذود عن مسرحية مفرق الطريق، فسرني والله إعجاب الكاتب بهذه المسرحية، وتسجيله هذا الإعجاب لثالث مرة. وليس أدعي إلى السرور من أن تكون آثار أدبائنا موضع هذا الاهتمام من كتابنا الناقدين، وان يدور الإعجاب بينهم مدار الأنخاب، فتنتفي الشكوك وتختفي الظنون ولا يكون هناك محل لعجائب الفهم أو عجائب الاجتهاد!
ومن الخير أن يكون لي نصيب من هذه الأنخاب، فأسجل إعجابي بالأستاذ طليمات؛ وفيما ذكره عن كانت وبرجسن وإبسن وغيرهم دليل على احتشاده للدفاع عن المسرحية أو عن رأيه الأول فيها.
والأدباء الذين يعرضون للنقد لا يتناولونه من الجانب الهين، ولكنهم لا يسعون إلى التعقيد أيضاً، فإنهم يذكرون مع الأستاذ طليمات أن قصيدة الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد في القمة الباردة ترجع إلى أصول من فلسفة (كانت) في المعرفة. يذكر الأدباء هذا ويذكرون أن أداة (كانت) في الوصول إلى حقائق الأشياء وما وراء الطبيعة هي (الشيء في ذاته) ويذكرون أيضاً أن فلسفة (برجسن) في المعرفة وحقائق الأشياء وما وراء الطبيعة تستعين بالبصيرة
فالمعرفة والوصول إلى حقائق الأشياء وما وراء الطبيعة غاية مشتركة، وإن اختلفت الوسيلة أو الأداة، وليست كما هي في مسرحية مفرق الطريق، هذه الأخيلة الذاوية أو الوجدان الكابي أو الصور المضطربة وإن ظنها البعض من مذاهب التصوف كما يقول الأستاذ ليروي في بحوثه الأخيرة وتعريفه لفلسفة برجسن. والإلمام بالفلسفات شيء، والتطبيق شيء آخر؛ فلو ذهبنا في التطبيق والمنطق لوجدنا أن هذه المسرحية تقوم على أشياء من هنا ومن هناك؛ فهي من (كانت)، وهي من (برجسن)، وهي من (إبسن)، وهي من أشياء أخرى لم يتحدث عنها النقاد ولا المؤلف، لأنه يمضي بينها على غير هدى، ولأن عجائب التحصيل والروية والاجتهاد لا بد أن تخلق عجيبة في عالم الفلسفات، وسبحان من يجمع العالم في واحد. هذه الأشياء الأخرى التي تحدثت عنها فلسفة قديمة يقضي مذهبها