للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنه لا يحق لنا أن تستدل على وجود الكائنات بحياتنا الخارجية، وأن العقل الفردي لا يثبت أي شيء خارج نطاق طائفة متلاحقة من الأحاسيس والتصورات والفكرات إلا إذا كانت في نفوسنا؛ فالموجودات لا وجود لها إلا بنا.

يقول بهذا جماعة السوليبزم ويقول به مؤلف المسرحية ص٢١: (إن الأشياء لا وجود لها إلا بنا)؛ ولا أغض من جهد المؤلف إذا قلت إن مسرحيته (تخريمة) في الفلسفات وتصنيف من حشو التأليف، فمن عجائب الفهم حقاً أن يتظنن بي الكاتب الفاضل وأن يخدعه إعجابه فيمضي إلى تعريف المذاهب الفلسفية وما بين الأستاذ العقاد ومؤلف المسرحية من فروق فيها؛ والأمر لا يحتاج إلى كل هذا العناء لأني لم أتناول غير جانب الاقتباس؛ والأستاذ زكي طليمات يقرر في ختام مقاله أن لا بأس في ذلك، وأن المعاني والأفكار أشياء مبذولة للناس.

وأنا لا أريد أن أخدع القراء بحديثي أو تخدعني الفلسفات بحديثها عما أسلفت البرهان عليه. فأنا لم أختر للمسرحية الرمزية هذه الصعود المثلوجة ولا الطريق المنار يمضي فيه العقل صاعداً؛ وأنا لم أختر هذا المنحدر المظلم يمضى فيه الشعور هابطاً؛ وأنا لم أخترع صراعاً بين قلب يحترق في الظلمة، وعقل يريد أن يمضي في صعوده المثلوجة وطريقه المنار ليحيا في هدوء وعمق وصفاء البحر؛ وأنا لم أدع في ختام المسرحية دعوة الأستاذ العقاد في ختام قصيدته إلى النزول والانحدار - لم أختر لهذه المسرحية كل هذه الأشياء، وإنما اختارها المؤلف نفسه، وتكلم عنها في تبيينه، فرأيت فيها قصيدة القمة الباردة وبيتين من قصيدة (قلبي). . .!

ولقد عملت هذه الأشياء عملها في نفس وعقل الفنانة الباريسية (سوزان جوفروا) فكانت الصورة المزدان بها غلاف المسرحية، وإذا الصورة جبل تغطي قمته الثلوج، ومفرق طريق تقوم فيه شجرة جرداء قد شظف عودها أو (فترت عندها الحياة)، وطريق منار ينتهي بين الثلوج إلى هذه القمة، ومنحدر يمضي في الظلام إلى أدنى الجبل حيث مشاهد الحياة وضرامها. هذا ما فهمته الآنسة الفنانة من المسرحية، صورته بريشتها رمزاً، فكون هذا الرسم من تصميمها وليس من عمل المؤلف دليل على صحة رأيي وليس دليلاً على غيره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>