قالت مدام (دي برسي) وهي تحاور زوجها: (إذا كنت تبغي أن تلم بهذا الشأن، فألزم أذنك الإصغاء. . . فسرده يعوزه الهدوء ريثما آتي عليه. . .)
فنبس زوجها في لهجة فيها شيء من الجفاء:(كمشيئتك. . . أني إذن صاغ إلى حديثك!)
فعاد صوتها يرن، وقد شابه الارتجاف كأنما ينم عن نفس مضطربة، قالت:(حسن!. . . إن الحياة معك لا يمكن أن تدوم، وسأتجلد حتى الصباح. . . إنك رجل شريف، لا شك في ذلك، ولا يمكنني أن ألصق بك عيباً، فأنت لم تعمل يوماً على المخاتلة والخداع. . . أما أنا فلا أقل عنك إخلاصاً ووفاء مذ ذلك اليوم الذي وقفنا فيه أمام النفس يعقد لنا. . . ولكنا أحسسنا بعد ذلك أن مشاربنا متباينة، وإني لأعلم أن ثمة أناس لا يقلون عنا تبايناً واختلافاً. . . بيد أن حالتنا لا تطاق، فكل إيماءة مني تكدر صفاءك، وإني لموقنة أن هذا الشعور متبادل بيننا: عندما أتحدث يزعجك ذلك، وإذا ما ضحكت أنت تثير حنقي، وكذلك صمتنا يموج بالحقد والبغض. . .
هذا أمر لا يحق إغفاله، فأنت تورد ما لا أستطيعه، وإني لا أجد فيك بغيتي ومرامي، لأنك بهلق، لا تثبت لحديثي ولا تستلمح إشارتي، بل تعتقد أنني أنغص عليك عيشك في كل عمل آتيه، حتى وقع أقدامي وارتداء ثيابي! أليس هذا هو عين الحق؟ أني لألمح فيك - وأنا أتحدث الآن - نزعة إلى أن تهم بإلقائي من النافذة).
فقال زوجها في غمغمة:(حسن! ماذا أيضاً؟!)
- لقد انتهى بي الفكر إلى أنه يجب علينا أن يعيش كل منا على حدة. . . ليس هذا بخطئي ولا بخطئك. . . أنه خطؤنا معاً. . . وعلى كل حال فهذه هي الحقيقة العارية عن كل لبس وريب، فكلانا لم يخلق لصاحبه، وربما كانت السعادة إذا ما انفصلنا. . . ليس هناك ما