لقد عزمت الأمة العفيفة النبيلة الورعة، وهي بريطانيا العظمى بلا مراء، أن ترفع يدها عن فلسطين، وأن تجلو بجنودها عن هذه الأرض المطهرة، وأن تترك الأمر لأصحاب البلاد، هكذا، يصرفونه على ما توجبه مصالحهم!! وفي هذا الوقت نفسه قامت روسيا السوفيتية الغامضة تؤازر أمريكا الصريحة في صهيونيتها على تقسيم فلسطين تقسيماً لا يدري المرء كيف يصفه، أهو حماقة، أم جور، أم صفاقة، أم نذالة مركبة في طبائع الأمم الجشعة؟ ثم رأينا بريطانيا هبت تستنكر، أو تقول الصحف وألسنة الساسة أنها تستنكر هذا الذي تبيته روسيا وأمريكا لفلسطين.
هذا ملخص ما يدور في أمر فلسطين دون تزويق أو تدليس. ونحن لا نريد أن نبخس بريطانيا حقها في هذا الموقف الذي تقفه من مسألة فلسطين، ولكنها أيضاً لا نريد أن نلغي تصرف العقل فنصدق أن هذه الأمة البريطانية تفعل هذا حباً للعرب، وحفاظاً على حريتهم، ورغبة في معونتهم ونصرتهم. فإنها هي التي نفثت في هذه الصهيونية الخبيثة من روحها منذ دخل الرجل الصليبي (النبي) أرض الآباء المطهرة، وهي التي ضمنت لهؤلاء الصعاليك إنشاء وطن قومي في فلسطين، وهي التي أغضت عن تسلل هؤلاء اللصوص إلى بلاد ليست لهم، وهم الذين نكلوا بالعرب تنكيلاً لم يشهد التأريخ أفجر منه ولا ألأم أيام ثورة العرب عليهم وعلى جلائهم من اليهود، وهي التي استعانت باليهود في الحرب العالمية الثانية ودربتهم وجندتهم وفتحت لهم أبواب الأرض المقدسة، وهي التي أعانت تهريب اليهود وحمتهم ووقفت تعبث في مراقبة الهجرة اليهودية، وهي التي صبرت على إذلال اليهود لها وعلى جلدهم جنودها وضباطها واغتيالهم وخطفهم واتخاذهم رهائن، هذه بعض فضائل بريطانيا وشئ من نبيل مواقفها في مسألة فلسطين!!
وبعد أن فعلت كل هذا طلباً للأجر والحسبة من الله خالقهم وخالق الصهيونيين، زعمت أنها ولا شك نافضة يدها من هذا الأمر، وجالية بجنودها عن هذه الأرض، وتاركة الناس أحراراً يدبرون شؤونهم بأيديهم! فكيف يفهم العقل من كل هذا أن بريطانيا تعترض على مسألة التقسيم لأنها تريد خيراً للعرب، وتحافظ على وعودها لهم، وتعمل على رد شر