اليهود ومن يعاونهم عن هذه الأمة المسكينة؟! كيف يا شياطين السياسة؟!
إن لها من وراء كل هذا التنكر للتقسيم أرباً آخر لا ندري ما هو على التحقيق، ولكنا إذا عرضناه على أفاعيل بريطانيا منذ كانت بريطانيا، فلم نعدم الشك في نيتها، ولا الاهتداء إلى موضع الدخل في تصرفها، ولا آيات الكذب في دعواها. وقبل هذا وذاك، لا يستطيع قلب عربي أن يطمئن إلى أن بريطانيا وأمريكا، وهما الدولتان المتعاونتان على الخير والشر، تختلفان بهذه المسألة بعينها، إلا أن يكون اختلافهما تعمية وتدليساً لشيء هو أجدى عليهما وعلى الصهيونيين اليهود من اتفاقهما! وليكن الأرب المكنون بعد ذلك ما يكون!
ونحن العرب لا نحب أن نلقي أثم هذه الصهيونية الجائرة على أمريكا وروسيا للذي نراه اليوم من موقفهما وتشددهما وحرصهما على تقسيم فلسطين، لا لأنهما أمتان بريئتان، بل لأن الدوافع التي تحملها على هذا الحرص وهذا التشدد، إنما جاءت بعد أن فعلت بريطانيا فعلتها، وأصلت لهذه الخبائث أصلاً قوياً في الأرض المطهرة، ونزعت من يد العرب كل حول وطول في تصريف شأن بلادهم، وبعد أن تكرمت بريطانيا على العالم كله بإحداث مشكلة لا حل لها إلا الحل الذي تفصم به كل عقدة خبيثة تستعصي على المحاول.
إننا لا نريد أن نخدع مرة أخرى بنفاق بريطانيا وأكاذيبها وتصنعها لأعين الناس بالبراءة وحب الخير والحرص على الوفاء بالعهود وإنجاز المواعيد، وبريطانيا تريد أن تذهب في أمر فلسطين مذهباً جديداً لتكون شهيداً جديداً يستنزل العطف والمحبة من قلوب العرب، وتريد أن تقف هذا الموقف لأنها تريد أن تخدع مصر والسودان، وتخدع سوريا ولبنان، وتخدع العراق وباكستان، وتخدع كل ناطق باللسان العربي في مشارق الأرض ومغاربها، ولكننا لن ننخدع مرة أخرى أيها الشهيد الذي استحل دم الأحرار في مشارق الأرض ومغاربها.
هذه بريطانيا، وأما أمريكا، فقد طالما ذهبت في الدفاع عن الحرية مذهباً كريماً، ولكن ذلك شيء كان ثم انقضى، فأمريكا اليوم دولة تصرفها الأحقاد الكثيرة، وعلى راس هذه الأحقاد إصرارها على التعصب البغيض إصراراً لا هوادة فيه، حتى في قلب بلادها. ثم يلي ذلك تحكم اليهود وتسلطهم على رؤوس أموالها، وعلى شركاتها، وعلى مجتمعها، وعلى رجال سياستها. فالشعب الأمريكي اليوم ألعوبة تلهو بها الصهيونية اليهودية وترفعها وتخفضها