للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإنسان والحيوان والحرب]

للأستاذ عباس محمود العقاد

حركة!

إذن هو الخطر بعينه!

وهل في موقف الحراسة من الميدان حركة لها أمان؟. . . كلا. بل هو الخطر جد الخطر على الحارس وعلى من يحرسهم، وهم مئات ألوف.

ثم حفيف بين العشب!

فهو الخطر إذن يقترب، وهو الانتباه أشد ما يكون انتباه، والاستتار أخفى ما يكون استتار!

وانبطح الحارس وانتظر، ولمعت عينان على مقربة، فإذا بالحارس كله عيون، لو قتل إنسان شيئاً بنظرته لمات صاحب تينك العينين في جنح الظلام!

وسدد الحارس الرامية، ومضت العينان تدنوان وتدنوان، وأوشكت القذيفة أن تنطلق لولا أن انطلاقها محظور لغير الخطر المحقق القريب، مخافة الانتباه من جانب الأعداء إلى موضع الحراسة وموضع المعسكر، فلا مناص من انتظار.

ثم بدا صاحب العينين برأسه وبشخصه:

الحمد لله. . .

هو كلب. . . وليس بإنسان!

تلك خلاصة قصيدة إنجليزية من قصائد الجنود في حرب الدردنيل الماضية.

حمد الشاعر ربه لأنه كان يحذر فصيلة الإنسان دون الفصائل جميعاً من عالم الحيوان، فهو من أخيه الإنسان على أخطر الخطر في ذلك الظلام. . . أما عالم الحيوان جميعاً، فهو منه في أمان!

لم أقرأ هذه القصيدة قط إلا ذكرت شاعرنا العربي حين يقول:

عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير

نعم. وأصدق ما يكون ذلك في مقام حراسة وفي ميدان قتال!

ثم قامت الحرب الحاضرة، فإذا ببطل من أبطال الحيوان، يعلو ذكره في كل ميدان، ويستوحونه القصائد والألحان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>