كان الأمر على جانب من الخطورة، فالعربي في جنوب الجزيرة لا يتردد عن قتل من يسوق سيارة من سيارات النقل، إذا تصور أن تلك السيارة ستنتزع منه ومن بعيره رزقهما من نقل البضائع. لقد حذرونا قبل السفر بان يكون يقظين لأولئك الذين قد يتربصون لنا خلف الصخور.
إن اكتشاف الزيت في شمال الجزيرة العربية قد أزاح الإبل عن العمل في نقل البضائع إزاحة تامة. وهي بالنسبة لأصحاب الإبل نكبة اقتصادية فادحة. فليس في وسع القسم الأكبر من عرب جنوب الجزيرة شراء سيارات لنقل البضائع نظراً لفداحة اثمانها، دع عنك تكاليف صيانتها وحفظها، فالسيارات لا تستطيع العيش كما تعيش الإبل على الكلأ والأشواك، والسير يوماً بعد يوم من غير ماء. ولا أن تغدو طعاماً ووبراً للحياكة عندما ينتهي أمرها كحيوانات للنقل. ولذلك فإن النظام الجديد في عدن لا يستفيد منه سوى المقتدرين. أما أصحاب الإبل الذين لم يتأثروا بعد تأثراً يذكر بمزاحمة السيارات لهم فما زالوا مستعدين للكفاح في سبيل البقاء.
ولكن الخطر الأكبر في طريقنا كامن في الخلاف بين اليمن والإنكليز على الحدود، فقد جائني كتاب من المصادر اليمنية الرسمية قبل حين جاء فيه:
(يجب الالتفات إلى أن حوادث (العنف) التي تقع في المناطق الجنوبية من اليمن، قد أثارت الأهالي في تلك الناحية. بحيث قد يصبح السفر خطراً في بعض الأجزاء النائية منها).
وسرنا من عدن التي جئتها من لندن طائراً خلف سفينتنا، نغذ السير بمحاذاة ساحل حضر موت في القدم تبدو - كشأن الغجريات - جميلة على البعد. أما وقد اقتربنا منها، فإن الأبنية التي كانت تشرق في أشعة الشمس على حافة البحر الأزرق من بعيد، أخذت تبدو لنا الآن قائمة على القرب، والأبخرة العفنة المتصاعدة من أرجاء المدينة تزحم هواء البحر