للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأفغاني والوحدة الإسلامية]

للأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف

- ٤ -

وأخيراً، أين بلغ الأفغاني من التأثير في المسلمين بدعوته؟ وأين وصل من الطريق إلى هدفه وغايته؟ وماذا أجدى في تحقيق تلك الفكرة التي نهض لها ملء يقينه وجهد طاقته؟

إننا نستمع إليه في آخر حياته يرسل هذه الصيحة الأليمة اليائسة إذ يقول: (إن المسلمين قد سقطت همهم، ونامت عزائمهم، وماتت خواطرهم، وقام شيء واحد فيهم، وهو شهواتهم!)

ففي هذه الصرخة التي تفيض بالألم نرى الرجل مغيظاً محنقاً، لأنه لم يجد في المسلمين العزيمة التي كان يتمثلها، والوثبة التي كان يتوقعها، وكأنه يقول: لقد ناديت لو أسمعت حياً، والواقع أن الرجل لم يكن يستطيع أن يبلغ أكثر مما بلغ، فإنه كان ينادي على قوم يأخذون طريقهم إلى النهاية، وسنن الوجود الاجتماعي لها في هذا حكمهما الذي لا يرد، وقد كان التيار المتدفق من الخارج قوياً عنيفاً، ودينا النضال والنزال في عهد جديد تسيطر عليه الآلة، وهو عالم لا يعرف عنه المسلمون إلا كما يعرفون عن عالم السحر ودنيا الجان

فحسب الرجل نجاحاً أنه فتح العيون على الخطر الماثل، ونبه الأذهان إلى غاية الشر المتنمر، وأنه استطاع بصادق غيرته وقوة يقينه أن يجعل من دعوته نقطة تحول في حياة الشرق العربي، وأن يقيمها عقيدة اجتماعية لها تيارها واتجاهها في تلوين الأفكار وتوجيه العقول والإفهام، على أننا لا ننسى أن الأفغاني في هذا كله كان لا يملك كثيراً من الوسائل المساعدة، فهو رجل فقير مضطهد، والملوك وأهل السلطان يخذلون جهده، ودول الاستعمار وأهل المآرب يناهضون فكرته، فنراه كل يوم على سفر يضرب في فجاج الأرض، كل ما في قدرته أن يلقي بأفكاره إلى إفهام الطبقة الطبقة المثقفة، وكانت يوم ذاك قلة، وليست في يد الوسيلة التي يصل بها إلى الرأي العام، ونحن نعلم من شواهد التاريخ أن الرأي العام هو القوة الفعالة في تحقيق الفعالة في تحقيق الدعوات، وأن الجماهير هي الوقود الذي ينضج الثورات

ولعل أهم ما أجدى السيد الأفغاني في توطيد دعوته والامتداد بأثرها في إيقاظ الشرق وتنويره، هم أولئك التلاميذ، أو على الأصح أولئك المريدون الذين بطابعه، وصقلهم على

<<  <  ج:
ص:  >  >>