للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أثر المؤتمر الطبي ومصرع رستم حيدر]

أمل وذكرى. . .

كانت القاهرة في أيام عيد الأضحى حجا للعروبة، كما كانت مكة فيها حجا للإسلام. وكان بين عرفات والمقطم أمواج متعاقبة من شعاع الروح الإلهي تشرق في الأبصار والأفواه والأفئدة فتتعارف وتتآلف وتتكاشف، فيفضي كل قطر إلى أخيه ببنات قلبه وذات صدره وكان ولا شك بين وفود المؤتمر الطبي العربي، كما كان بين حجاج البيت الإسلامي الحرام مذكرات وأحاديث فيما يكرب الأرض ويحزب الناس من انفجار العدوان والطغيان والشر في أكثر بقاع العالم، فكان إصفاق الرأي ولابد على ضرورة الوحدة العربية بأي شكل وعلى أي نظام

والحق أن الوحدة العربية في شتى صورها لم تكن في عهد من العهود ولا في حال من الأحوال ألزم منها لحياة العرب في هذا العهد وعلى هذه الحال. فقد كانت بالأمس سبيلاً من سبل الكمال الإنساني تصد عنها عصبية المكان وحزبية المذهب، ولكنها أصبحت اليوم ضرورة من ضرورات البقاء تدعو إليها طبيعة الحياة وسلامة الذات. لذلك لهج بها وفود المؤتمر وشهوده في حفلاتهم الرسمية والشعبية، واعترف بها ودعا إليها وزير الشؤون الاجتماعية في خطبته الخطيرة بدار الأوبرا الملكية

كان عيد القاهرة بما رأينا من تعاطف الأخوة المؤتمرين مبعث أمل؛ وكان عيد بغداد بما سمعنا عن مصرع الوزير رستم حيدر مثار ذكرى. ولم يكن من السهل على الخاطر - وقد امتلأ البصر والسمع بشباب العراق وأخباره - أن ينصرف عن الفكر في حاضر العراق وماضيه

رحم الله رستم حيدر! لقد كان وحده فصلاً في تاريخ العراق الحديث. وإذا كان في بعض حواشي الملوك رجال للهو والزهو، وآخرون للتجسس والتمويه، فإن رستم حيدر كان وحده في حاشية الملك فيصل رجل الجد والعمل. ولم أر في المهاجرين إلى بغداد مع صقر قريش أعلم ولا أفهم من رستم حيدر وساطع الحصري. وقد أبلى الرجلان في إذكاء النهضة العراقية البلاء الحسن: هذا في ميدان الثقافة، وذاك في ميدان السياسة. وكان بينهما مشابه من جهات كثيرة: فكلاهما مستقل الفكر، له في كل مسألة رأي وعلى كل رأي

<<  <  ج:
ص:  >  >>