اعتراض. وكلاهما متقن العمل، يتقصى أطرافه ويستبطن دخائله. وكلاهما صليب الرأي، يعييك أن يتابعك على ما تريد. وإذا كان بين الرجلين اختلاف، فهو الاختلاف الطبيعي بين رجل السياسة الذي يتأثر بالأحوال والرجال والحوادث، وبين رجل العلم الذي لا يستخدم غير المنطق ولا يتوخى غير الحقيقة
كان المرحوم رستم حيدر ظاهر الوقار، دائم الانقباض، كثير الصمت، خافض الصوت، هادئ الحركة؛ ولكن هدوءه كان كهدوء الماء العميق، تضطرب في جوانبه الأفكار والأسرار وهو ساكن السطح بارد الأديم
وكان منذ اشتغاله بشؤون العراق مستشار المغفور له الملك فيصل في سياسته الداخلية والخارجية، لبصره بعلوم السياسة والمال، وعلمه بمداخل الأمور ومخارج الحيل. فكانت أعمال العاهل العظيم تجد مصاديقها غالباً في أقوال المستشار اليقظ
كان من سياسة رستم الاعتماد بعد التامين على الفرات قبل دجلة. لأن الفرات شيعي المذهب، وعلى ضفافه الخصيبة تنزل القبائل البدوية القوية. وفي تقوّيه بالشيعة حيطة من نجد، ومودة لإيران
وكان يشيح بوجهه عن مصر، لأن هواها في ثورة الحسين على الترك كان مع الخلافة، ولأن اشتغال طلبتها بالسياسة كان في رأيه مرضاً مخطراً لا ينبغي أن تسرى عدواه إلى العراق ولعله كان السياسي العراقي الوحيد الذي لا يهتم بأحوال مصر ولا يتصل برجال مصر
وكان من رأيه توسيع التعليم الأولي والمهني، وتضييق التعليم الثانوي، وحصر التعليم العالي في مدرسة لتخريج الموظفين ورجال الإدارة، خشاة أن يكثر المتعلمون فيكونوا مصدراً للشغب والإضراب والفوضى. وفي ذلك العهد الذي أرجع بذاكرتي إليه أغلقت المدارس العالية جمعاء إلا مدرسة الطب. وكان من أشد المعارضين لهذه السياسة التعليمية الأستاذ ساطع الحصري، لأنه كان يحاول أن ينشئ الثقافة العامة على قواعد العلم الخالص دون أن يحفل بأهواء الطوائف وأغراض الساسة، ولذلك نحى حينئذ عن سياسة المعارف
وكان من خطة المرحوم رستم أن تظل الأراضي الزراعية ملكاً للحكومة لتضمن بمنح الالتزام ومنعه طاعة القبائل وتأديب العصاة. ومتى تحضرت العشائر وتوحد القانون