تفضل الأستاذ إبراهيم زكي الدين بدوي فنقد كلمتي الرابعة في فساد الطريقة في كتاب النثر الفني، وخالفني في رأيين ارتأيتهما، الأول يتعلق بالبيت المعروف
كأننا والماء من حولنا ... قوم جلوس حولهم ماء
والثاني يتعلق بنص من كتاب إعجاز القرآن للإمام الباقلاني
فأما البيت فقد أورده صاحب النثر الفني مثالاً للكلام يكون بالغ الصدق فلا يمنعه ذلك أن يكون بالغ التفاهة. وضربته في كلمتي مثلاً لسوء فهم صاحب الكتاب، لأنه لم يدرك أن تفاهة البيت البالغة راجعة إلى صدقه ولكن إلى نوع من الكذب فيه، لأنه في الواقع بيت كاذب من ناحية التشبيه إذ لم يغاير بين المشبه والمشبه به. وأردت أن أمتحن هذا الرأي باختيار عملي فقلت لو نقلنا البيت عن التشبيه إلى الإخبار، بحذف كأن وإحلال إن محلها، لصار البيت صادقاً ولارتفعت قيمته ارتفاعاً ينجيه من أن يكون مثلاً مضروباً للكلام المستهزأ به. وتعقب الأستاذ بدوي قولي هذا بأن البيت يظل تافهاً حتى بعد التعديل المقترح، بل يكون من وجهة اللغة غير صحيح لأن الخبر فيه لا يفيد فائدة تزيد على المبتدأ، ولأنه لا يحتمل أن يكون من قبيل قول أبي النجم (وشعري شعري)
فأما أن البيت يظل تافهاً فصحيح. لكني لم أزعم للبيت أنه بذلك التعديل ينجو من التفاهة، ولكن زعمت أنه ينجو من التفاهة البالغة التي جعلته مثلاً يسخر منه. وتحول الكلام من تافه بالغ إلى تافه مجرد ارتفاع في قيمته من غير شك، كالعدد السالب الكبير إذا صار سالباً صغيراً أو موجباً صغيراً، وليس كل تافه يستهزأ به، فالكلام التافه كثير، ومضرب المثل للمستهزأ به منه قليل
أما عدم صحة البيت برغم جعله إخبارياً فلست أوافق الأستاذ عليه. ألا يرى أن الإظهار بعد الإضمار، والوصف بعد أن لم يكن وصف، فائدة زائدة في الخبر، لها قيمتها في الإخبار وليس لها أية قيمة في التشبيه، بفرض أن ليس هناك فرق معنوي ما بين الجملة الحالية في الشطر الأول وأختها الوصفية في الشطر الثاني؟ إن الجملة الخبرية في صميمها هي (إننا قوم جلوس) وهي جملة مفيدة من غير شك، كبرت الفائدة أو صغرت. وإسقاط