خاض الجند العرب غمار الفتن السياسية التي قامت بين الخلفاء الأمويين والخارجين عليهم، وكذا بين العباسيين ومناوئيهم. وكان لتدخلهم أثر ظاهر في هذه الفتن. وسنأتي بوصف موجز لها لنبين ما كان لدخول جند مصر في غمارها من أثر
تألب محمد بن أبي حذيفة على خليفة عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر وإخراجه إياه من الفسطاط إلى خلع عثمان، وأسعر البلاد بنار الثورة التي انتهت بقتل عثمان وتولية علي بن أبي طالب، وما تلا ذلك أيضاً من الحوادث التي قامت بين حزب علي وحزب معاوية، وقيام الدولة الأموية. ولا غرو فقد كان لجند مصر في هذه الحوادث كلها نصيب وافر، ناهيك بما كان من قتل عثمان الذي تمَّ على أيدي الثوار من مصر دون غيرهم من عرب البصرة والكوفة
وفي عهد يزيد بن معاوية، دعا عبد الله بن الزبير إلى نفسه (سنة ٦٤ هـ) وصادفت دعوته نجاحاً عظيما في بلاد العرب والعراق. إلا أن تنصَّل محمد بن الحنفية بن عليَّ بن أبي طالب عن مبايعة ابن الزبير، ومبايعة يزيد بن معاوية لعدم وثوقه بأهل الكوفة الذين خذلوا أباه وأخويه من قبل، وخروج الكيسانية مع المختار ابن أبي عبيد الثقفي، ودعوتهم لمحمد بن الحنفية؛ كل هذا فتْ في عضد ابن الزبير، وآذن بانحلال أمره
صادفت دعوة ابن الزبير في مصر بعض النجاح، فشد أزره أنصار العلويين اعتقاداً منهم أنه لأهل البيت، ولحق به كثير من المصريين، وسألوه أن يبعث إليهم والياً من قبله، فبعث عبد الرحمن بن جحدم الفهري، فدخل مصر في شعبان سنة ٦٤ هجرية في جمع من الخوارج من أهل مصر وغيرهم الذين انضموا إلى ابن الزبير في مكة. فاضطر عرب مصر من شيعة بني أمية إلى مبايعته على كُرْهٍ
ولما بويع مروان بن الحكم في ذي العقدة سنة ٦٤ هـ كاتبته شيعة الأمويين في مصر سراً، فسار في كثير من الأشراف وبعث ابنه عبد العزيز في جيش إلى أبلة (عند العقبة) ونشط ابن جحدم لحربه، وأشار عليه بعض رجاله بأن يحفر خندقاً (موقعه الآن بجهة