أثارت شخصية غاندي وحياته ومبادئه الروحية، وأساليبه السياسية في الأعوام الأخيرة كثيراً من الاهتمام في جميع أنحاء العالم؛ وكان غاندي منذ سنة ١٩٢٠ أعظم شبح يروع السياسة البريطانية في الهند، وكان لذلك الرجل الذي يضطرم جسمه النحيل بقوة روحية هائلة في الأعوام الأخيرة مواقف اهتزت لها السياسة البريطانية، واضطرت أن تنحني أمامها، أشهرها موقف سنة ١٩٣٠ حينما أعلن العصيان المدني الأكبر، وأشهر دعوة عدم التعاون، واضطرمت الهند من أقصاها إلى أقصاها بدعوته، واضطرت حكومة الهند إلى اتخاذ أشد الإجراءات الدموية لسحق الثورة، واضطرت الحكومة البريطانية أن تصرح على لسان اللورد ايروين حاكم الهند أنها ترمي إلى السير بالمسألة الهندية إلى منح الهند استقلالها الذاتي، وأنها تعقد لبحثها مؤتمراً خاصاً هو الذي عرف بمؤتمر المائدة المستديرة، والذي استدعى غاندي من أعماق سجنه إلى شهوده، بعد أن التزمت حكومة الهند بوقف الإجراءات الاستثنائية، وإعادة النظر في ضريبة الملح؛ ومن مواقف غاندي المشهورة أيضاً، موقف منذ عامين في مسألة المنبوذين حينما أعلن أن يصوم حتى الموت ما لم تعدل الحكومة البريطانية موقفها نحو المنبوذين؛ ولبث غاندي في صيامه حتى أشرف على الموت، واضطرت الحكومة البريطانية في آخر لحظة أن تنزل عند وجهة نظره نحو المنبوذين اتقاء لموته، وما يجره ذلك الموت في الهند من العواقب الخطيرة.
هذه الحياة العظيمة الفياضة بمواطن الكفاح القومي المضطرم، ومواطن القوة الروحية الهائلة، يتناولها الأستاذ فتحي رضوان في سفر كبير تربى صفحاته على الثلاثمائة. وقد سبق أن نشر الأستاذ فتحي رضوان عن غاندي عدة فصول قيمة في بعض الصحف اليومية، ولكنه يقدم الينا الآن دراسة كاملة متصلة عن حياة هذا البطل القومي الممتاز. فأعوام غاندي الأولى، ثم مراحل الدراسة في الهند وفي انكلترا، ومرحلة الحياة العملية الأولى في المحاماة، ونزوح غاندي إلى جنوب أفريقية. حيث هاله ما رأى من اضطهاد مواطنيه وجهاده في سبيل إنصافهم، وبث الدعوة الأولى إلى عدم التعاون، وظفره في هذا