للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

مِلْتُن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الحرية والجمال

والخيال. . .)

للأستاذ محمود الخفيف

- ٦ -

وبينما كان يتكلف ملتن المرح، ويستجيب لدواعي الشباب فيغني أنغام الحب، كانت نفسه تنطوي على معاني غير هذه هي في الواقع أرب مشاعره ومنتجع خواطره ومتجه خياله، فتراه ينظم قصيدة استهلها بقوله (إيه يا لغة قومي) أشار فيها إلى رغبته في التخلص من العب واللهو وعبر عن عظيم طموحه فقال إنه يفضل أن يتخذ لغة قومه سبيلا إلى موضوع اخطر شأناً فيستخدمها إذ يسمو عقله حتى يبلغ أسباب السماوات فيطلع إلى الآلهة وهم منصتون إلى ما يترنم به أبولو؛ ثم يغني هو بدوره فينبئ عن الأشياء الخفية التي وقعت ولم تزل الطبيعة في مهدها.

وهكذا يصور له كبرياء عقله موضوعا عظيما لشعره فيتخيل وهو دون العشرين ملحمة كونية تدور على خلق الدنيا وتكشف عن أغراض الدين وعن وضيفته فيها؛ وما يرضي طموحه موضوعا أقل من هذا، ولا تقنع فطرته الشاعرة ولا عبقريته الباكرة بما يقنع به غيره من الشعراء فيتعلق خياله بأعظم ما يتعلق به خيال وأعمقه، وماذا وراء الخليقة والآلهة في مسارح الذهن ومطارح الخيال؟ وإنا لنلمح في ما يطمح إليه صورة مبهمة غامضة للفردوس المفقود، ونراها هنا إغريقية الأشباح أولمبية الآلهة، فهل كان يفكر الشاعر الناشئ منذ ذلك العهد في آيته الكبرى ويريد أن يتخذ من مثيولوجيا الإغريق مادتها ولباسها؟ ذلك ما لا نستطيع الجزم به؛ على أننا نجزم في هذا الصدد بأن الشاعر كان يومئذ يشغل باله ويهجس في نفسه موضوع عريض فخم، ولسوف نرى أن هذا الموضوع لن يبرح يطرق خياله ويهز نفسه حتى يتغنى بالفردوس المفقود. . .

وإنه ليرتفع بشعره إذا تناول أمراً يتصل بالدين، فيمد جناحي عبقريته ويرتفع ويحلق في

<<  <  ج:
ص:  >  >>