استقبلت مصر حين دخولها في عصبة الأمم في أواخر مايو الماضي بتحية إجماعية مؤثرة من اثنين وأربعين دولة بينهما اثنتان من الدول العظمى؛ وكان التقدير الذي لقيته مصر يقوم بالأخص على التنويه بمكانتها التاريخية، وعلى الدور العظيم الذي أدته في تكوين الحضارة اليونانية القديمة؛ ومن ثم في تكوين الحضارة الغربية بوجه عام؛ ولم تكن هذه المظاهرة الاجتماعية المؤثرة حديثاً أفلاطونياً فقط، ولكنها كانت إشارة بحقيقة تاريخية يستحيل على أوربا الحديثة تجاهلها، وفي الأسبوع الماضي نشرت جريدة (الأسبوع) الألمانية عدة صفحات خاصة بمصر وحضارتها القديمة، ثم استأنفت في عددها الصادر هذا الأسبوع فكتبت عدة صفحات أخرى واستطردت فيها إلى الإشادة بما لمصر من فضل على المدنية وما يرجى لها من مستقبل باهر، وهذه أول مرة في عهد ألمانيا النازية تقوم الصحف الألمانية بمثل هذه الإشادة بمقام أمة شرقية (سامية)، ولقد كان علماء الآثار الألمان في مقدمة علماء الغرب الذين عاونوا على اكتشاف الحضارة الفرعونية وعلى إظهار الدور العظيم الذي قام به الفراعنة في تكوين حضارة العالم، فلم تكن هذه الحقيقة بخافية يوماً على العلم الألماني. ولكن حدث بعد ذلك أن اجتاحت الدعوة الهتلرية العلم الألماني كما اجتاحت كل شيء في حياة هذه الأمة العظيمة، وذاعت نظريات هتلر عن الشعوب الشرقية والشعوب السامية بوجه خاص.
فهذه الشعوب في نظر زعيم ألمانيا الجديدة، شعوب منحطة، هدامة للحضارة، غير أهل لإنشائها. ومصر أمة سامية شرقية، فهي طبقاً لإنجيل ألمانيا الجديد أمة منحطة هدامة للحضارة، لا تستحق أن ترتفع إلى مصاف الأمم (الآرية) وهي الشعوب التي يحق لها أن تستعبد الشعوب السامية وأن تخضعهالثقافتها. ولقد اعتبرت مصر في ألمانيا بعد ذلك بصفة رسمية دولة غير آرية لا يصح لأبنائها أن يختلطوا بالعنصر الآري، وكان لذلك فيما نذكر ضجة في العام الماضي. فهل نعتبر إقدام صحيفة ألمانية كبيرة على التنويه بحضارة أمة (سامية) كمصر دليلاً على تطور هذه النظرية النازية المجحفة؟ إن الصحافة الألمانية تخضع في كل ما تكتب لرقابة حكومية صارمة؛ فإذا كان يسمح لها الآن أن تنوه بمركز