. . . أما إن الشباب سيظل زيت النهضة المضيء المحترق فهذا مما لا شك فيه.
سلخنا من العمر ثمانية عشر عاماً هي ربيعه في نهضة شريفة سامية طامحة جامحة جريئة رزينة - نقنع بالحجة ونغرى بالعاطفة ونلهم الشعور ونحرك القلوب - فعزيز علينا ثم عزيز أن نسلم علم الجهاد وقد دافعنا عنه بالمهج والأرواح، فإلى الأمام نسير في كل فن وعلم بتجاريب السنين الماضية، أما الميدان السياسي فلن يضيق عن الجهود الوثابة التي اكتسبت من المحن خبرة ومن الشدائد عظة، وقد كان لنا فضل السبق في الإصلاح وهاهو ذا بنك مصر لا يزال شاهداً بما كان للشباب من قوة أثر في تعميره. بل إن طربوش القرش هو غرس الشباب.
فمن يوم أن قام الشباب قومته إلى الآن لا نجد أثراً عمرانياً أو أدبياً أو سياسياً إلا لمست فيه يد الشباب حادة قوية.
ومازال كل في طريقه شجاعاً في غير عنف، فخوراً في غير زهو، جريئاً يقول الحق ولا يهاب فيه الموت. وتلك كلها صفات اكتسبت من تعاليم سعد، وتغلغل أثر النهضة في نفوس تعطشت إلى الحرية فنالتها من يوم أن طلبتها.
حرية بعنا لأجلها نفوساً عزيزة علينا، ودستوراً قاومنا في سبيله كل من حدثته نفسه أن يكون عليه ظهيراً. وسنعرف بإذن الله كيف نحيطه بسياج من الأخلاق متين، غير منتظرين الوحي من الغرب؛ فالديموقراطية الشرقية مستمدة من وحيي الله ومن تعليم الأنبياء، فالمشورة كانت من صفات النبي صلى الله عليه وسلم؛ وما كان مستبداً حتى في إبان الحروب التي تتخذها الأمم الغربية كلها ذريعة لإعلان الأحكام العرفية. وإن كان بعض مشرعي الغرب يحذرون شعوبهم من اندفاع جارف يؤدي بهم إلى الفاشستية أو الشيوعية، فانا لا نزال بحمد الله بعيدين عن كل ذلك، فإن التأني البصير خير من الاندفاع الأعمى، وإن دستوراً راسخاً متين البنيان لذو أثر عظيم في تشييد صرح النهضة. فليطمئن الشيوخ، فلن يجدوا إلا شباباً مجرباً وثاباً دمه الحار بمثابة وقود لعقله المتزن.