الشباب. فليسمح لي سيدي الدكتور بهذه اللهجة الجافة التي لم أجد خيراً منها لمناقشة رسالته. فهي الصراحة لا تعرف المجاملة والحق لا يقوم على المداهنة.
ينادي عميد الأدب بأن يتجرد شباب مصر من روحانية الشرق التي هي لباب دينه، ليتجه بفكره صوب مادية الغرب ليغترف من تعاليمها الخير على ما يقول، فأي خير هذا الذي وجدته يا سيدي في مادية الغرب التي تحبها، وتؤمن بها وتنتظر منها الخير الكثير وقد فقدته في روحانية الشرق؟
أهذه المبادئ والمذاهب الخاطئة التي ينادي بها زعماء الغرب والتي تسير بأوربا نحو الهلاك السريع والتي بنيت على حب المادة والعمل للمادة وحدها؟ أم هذه النزعات والميول المتطرفة التي قلبت رسالة الإنسانية السامية إلى رسالة بهيمية وضيعة والتي سوف يجني الغرب ثمارها المرة الشائكة إن عاجلاً وإن آجلاً؟ أم هذا وذاك من مساخر الغرب ومساوئ ماديته؟
إن أحداً لا ينكر سير الغرب بخطى واسعة نحو الرقي والحضارة المزعومة في هذا العصر. ولكني كبير الشك في أن هذه الحضارة - التي سخرت للمادة وقامت على دعائم خالصة من المادية - تعمر أو تطول. وليست هذه الأحداث والمهازل - التي يعج بها المجتمع الغربي، ويستصرخ المصلحين لإنقاذه منها - إلا إحدى نتائج هذا الاتجاه المادي الصرف.
أما الحضارة الحق التي يؤمل من ورائها الخير، وينتظر لها البقاء، ويجب علينا أن ننير سبيل شبابنا إليها فهي تلك التي تأخذ ضرورتها من المادة إلى جانب حاجتها من الروح. وما تذوق الحياة جسد من غير روح. وهذه سنة الله في خلقه أنطق بها رسوله الأمين حيث قال:(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).
وعندي أن هذا الحديث الشريف هو جماع دستور الفرد الذي ينشد الكمال من المجتمع الذي يرجو الصلاح. وتلك الإمبراطورية الإسلامية - التي بلغت حدود الهند والسند شرقاً والاطلنطيقي غرباً - قامت على أسس من الروحانية الشرقية التي ينكرها الدكتور ولا يرى فيها أي خير. . .