للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نصير الدين الطوسي]

حامي الثقافة الإسلامية وتراث العرب الفكري إبان الغزو

والمغولي

للأستاذ ضياء الدخلي

أما ياقوت الحموي فإنه قد توفي عام (٦١٦ هـ) أي قبل وفاة الطوسي بـ (٤٦) عاماً، هذا العهد لم يكن الطوسي قد اتصل بهولاكو، إذ أنه خرج من سجن قلعة الموت واصطحبه هولاكو في عام ٦٥٤ هـ وإذن فالمدارس والحياة العلمية التي يصفها ياقوت كانت في مراغة قبل مجيء الطوسي إليها، ولربما كان الطوسي وقت وفاة الحموي مؤلف معجم البلدان - في طوس حيث كان يطلب العلم.

والغرض أن المراغة كانت مدينة علم وأدب فاختارها الطوسي مقراً لمدرسته. ويقول جورج سارتون في كتابه المدخل إلى تاريخ العلوم: (إن حسن مناخها وصلاح جوها للأرصاد الفلكية بصورة ممتازة - شجع الطوسي على بناء مرصده فيها) وقد التف حول الطوسي فيها جمهور من العلماء وطلاب العلم حتى أنه عندما رحل منها إلى بغداد في عام (١٢٧٤ م) ارتحل في جيش جرار منهم. قال ابن شاكر (المتوفى عام ٧٦٤ هـ) في فوات الوفيات (وكان النصير قد قدم من مراغة إلى بغداد ومعه كثير من تلامذته وأصحابه فأقام بها مدة أشهر ومات).

فالطوسي في جمعه رجال العلم حوله حفظ سلسلة الثقافة الإسلامية في الشرق موصولة الحلق متصلة الأسباب وأبقى منار العلوم مضيئاً لم تطفئه هجمات الأمم الابتدائية؛ وإذن فأي خدمة عظيمة توازي ما قام به الطوسي رحمه الله؟

نعم لقد ألب عليه بعض المتعصبين من جهلاء المتقشفين الذين أمسكوا بقشور الدين وخسروا لبابه - لقد أثار عليه حفيظة هؤلاء تشيعه، ولا ريب أن هذا العامل الذي لا أهمية له في الأوساط المثقفة العصرية - كان في العصور الوسطى ذا أثر في توجيه نقد الناقدين وتسديد حملاتهم الزائفة. ولا يهم مؤرخ الحضارة اليوم ما كان يعتنقه الشخص من عقيدة دينية بقدر ما يهمه من آثاره العلمية والأدبية وما أنتجته عبقريته؛ فإذا وزنا قيمة النصير

<<  <  ج:
ص:  >  >>