قيل في الغرب - وردد بعض الشرقيين هذا القول - إن الجامعة العربية حركة مصطنعة تديرها بعض الدول الأجنبية لأغراضها السياسية في الوقت الحاضر، وإنها تستطيع أن تبطلها كما استطاعت أن تختلقها متى فرغت من حاجتها إليها.
والذي نريد أن نقرره قبل بيان الحقيقة في هذه الأقاويل أن الحركات العالمية، أو الحركات القومية، لا يخلقها تدبير مصطنع على الإطلاق، وأنها توجد بأسبابها الكامنة فيها وتتجه إلى غاياتها الموافقة لتكوينها، فلا تستطيع قوة في الأرض أن تظهرها وهي خافية، أو تتجه بها إلى غاية لا توافقها ولا تلائم مصالح ذويها.
والحركة العربية قامت في نشأتها الحديثة على الرغم من السياسة الأوربية ولم تقم باختيارها وتدبيرها، وعادت إلى التجمع والوحدة بين الحربين العالمتين؛ لأنها لا بد أن تعود بعد تلك القومة الأولى.
فمنذ أوائل القرن التاسع عشر سُئِل إبراهيم باشا وهو يناضل الدولة العثمانية: إلى أين تنتهي فتوحاته؟ فقال: إلى حيث لا يوجد من يتكلم العربية. يريد بذلك أن ينشئ دولة عربية محضاً، ولا يريد أن يتجاوزها إلى بلاد أخرى.
وحوالي هذا الوقت كان محمد بن عبد الوهاب في نجد يعلن ثورة على الحكومة العثمانية، ويجمع القبائل في جزيرة العرب لتوحيد كلمتها، والاتجاه بها إلى وجهة الاستقلال، عن السيطرة الخارجية.
ولم تكن جزيرة العرب يومئذ تعترف بشيء من السلطان الأجنبي غير السيادة الإسمية والرقابة البعيدة التي لا تعترض لشؤونها الداخلية، فكان أمراء نجد والكويت والحجاز واليمن يأخذون وقلما يعطون في علاقتهم بالدولة العثمانية، وكانوا على استقلالهم الذي تعودوه منذ القدم في حواضر الصحراء وبواديها، ولا سيما البوادي التي تحجم عنها جنود الدولة ولا تنفذ إليها بغير إذن من أبنائها.
أما في سورية ولبنان فقد رحبت جمهرة الشعب بحركات الوحدة مع الأمم العربية الأخرى وكانت على اتصال دائم بوادي النيل والجزيرة، وكانت علاقة أمرائها بمحمد علي الكبير