على حذر. وإذا عذرنا قسوس العصور المظلمة فيما افتروا عن جهالة، فما عذر الذين كشفوا الطاقة الذرية إذا جمدوا على الضلال القديم وكتاب الله مقروء ودستور الإسلام قائم؟!
لقد فشلت مذاهبهم الاجتماعية كلها، فلم تستطع أن تخلص جوهر الإنسان من نزعات الجاهلية الأولى؛ فلم يبقِ إلا أن يجربوا المذهب الإسلامي ولو على سبيل الاقتباس أو القياس.
لا نريد أن نقول لهم: أسلموا لتحكموا، وتعلَّموا لتعلموا، فإن هذه الدعوة يعتاقها عن الغاية القريبة عوائق من العصبية والوارثة والتقاليد والعادة؛ ولكنا نقول لهم: تصوروا نظاماً واحداً يصلح لكل زمان ومكان، ويقطع أسباب النزاع بين الإنسان والإنسان: يوحد الله ولا يشرك به أحداً من خلقه؛ ويقدس جميع الشرائع التي أنزلها الله ولا يفرق بين أحد من رسله؛ ويؤاخي بين الناس كافة في الروح والعقيدة لا في الجنس والوطن: ويسوي بين الأخوة أجمعين في الحقوق والواجبات فلا يميز طبقة عن طبقة ولا جنساً عن جنس ولا لوناً على لون؛ ويجعل للفقير حقاً معلوماً في مال الغني يؤديه إليه طوعاً أو كرهاً ليستقيم ميزان العدالة في المجتمع، ويجعل الحكم شورى بين ذوي الرأي فلا يحكم بأمره طاغٍ، ولا يصر على غيّه مستبد؛ ويحرر العقل والنفس والروح فلا يقيّد النظر ولا يحصر الفكر ولا يقبل التقليد ولا يرضى العبودية؛ ويأمر معتقديه بالإقساط والبر لمن خالفوهم في الدين وعارضوهم في الرأي؛ ويوحد الدين والدنيا ليجعل للضمير السلطان القاهر في المعاملة، وللإيمان الأثر الفعّال في السلوك. وجملة القول فيه أنه النظام الذي يحقق الوحدة الإنسانية فلا يعترف بالعصبية ولا بالجنسية ولا بالوطنية، وإنما يجعل الأخوّة في الإيمان، والتفاضل بالإحسان، والتعامل على البر والتقوى. فإذا تصورتم هذا النظام، فقد تصورتم الإسلام. وإذا أخذتم به فقد أطمئن العالم المضطرب وأستقر السلام المزعزع. ولا يعنينا بعد ذلك أن تطلقوا عليه لفظاً يونانياً أو لاتينياً ما دمتم تسلمون وجوهكم إلى الله، وتسلمون قيادكم لمحمد!