وهذه تركية المسلمة، واعدوها وعاهدوها يوم كانت النازية الغازية تحوّم على ضفاف الدردنيل؛ وهم اليوم يخلونها وجهاً لوجه أمام هذا الدب نفسه يطرق عليها الباب طرقاً عنيفاً مخيفاً ليعيد على سمعها قصة الذئب والحمل!
وهذه إندونيسيا المسلمة، آمنت بالإنجيل الأطلسي وقررت أن تعيش في ديارها سيدة حرة؛ ولكن أصحاب الإنجيل أنفسهم هم الذين يقولون لها اليوم بلسان النار: هولندا أوربية، وإندونيسيا آسيوية، ونظرية الأجناس، هي القانون النافذ على جميع الناس!
وهذه سورية ولبنان العربيتان، أقر باستقلالهما ديجول، وضمن هذا الإقرار تشرشل، ثم خرجت فرنسا من الهزيمة إلى الغنيمة، وأختلف الطامعان فخاس المضمون بعهده، وبرّ الضامن بوعده. ثم قيل أنهما اتفقا! واتفاقهما لن يكون على أي حال قائماً على ميثاق الحريات الأربع!
وهذه فلسطين العربية، يفرضون عليها أن تؤوي في رقعتها الضيقة، الشريد والطريد والفوضوي واللص، وفي أملاكهم سعة، وفي أقواتهم فضل؛ ولكنهم يضحون بوطن العرب، لعجل السامري الذهب، ويتخلصون من الجراثيم، بتصديرها إلى أورشليم!
وهذه أفريقية العربية، يسمعون أن ديجول أخا (جان دارك) قد جالف على أهلها الخوف والجوع، ثم انفرد هو بمطاردة الأحرار حتى ضاقت بهم السجون والمقابر، ولا يقولون له: حسبك! لأن السفاكين أوربيون يؤمنون بعيسى، والضحايا أفريقيون يؤمنون بعيسى ومحمد!
بل هذه هي الأرض كلها أمامك، تستطيع أن تنفضها قطعة قطعة، فهل تجد العيون تتشوف، والأفواه تتحلب، والأطماع تتصارع، إلا على ديار الإسلام وأقطار العروبة؟ فبأي وقع خُمس البشرية في هذه العبودية المهلكة، وهو الخُمس الذي أنبثق منه النور وعُرف به الله وكرُم فيه الإنسان؟ ليس للثلاثمائة مليون من العرب والمسلمين من ذنب يستوجبون به هذا الاستعمار المتسلط إلا الضعف. وما الضعف إلا جريدة الاستعمار نفسه. فلو كان المستعمر الأوربي صادق الحجة حين قال: إننا نتولى شؤون الشرق لنقوي الضعيف ونعلم الجاهل وندفع المتخلف، لوجد من العرب سنداً قوياً لحضارته، ومن الإسلام نوراً هادياً لعقله؛ ولكنه ورث الخوف من الإسلام عن القرون الوسطى، فهو يسايره من بعد، ويعامله