يقف من يتعمق في دراسة الأدبيين العربي والإنجليزي على ظاهرة غريبة حرية باهتمام من يعنون بدراسة الآداب الإفرنجية، أعني بها التماثل الظاهر بين ما يرد في كلا الأدبين من قصص وحكم وآراء فلسفية: وهو تماثل يحمل المرء على الاعتقاد الجازم بأن أحد هذين الأدبين قد أقتبس من الآخر، أو تأثر به تأثراً بعيداً
وفي روايات شكسبير خاصة من القصص والحكم والكنايات والإشارات ما يثبت أن مؤلف هذه الروايات الخالدة كان ملماً بعض الإلمام بالأدب العربي، وخاصة القديم منه، ولا نقول العكس لأن هذه القصص المتشابهة وردت في الآداب العربية قبل الإنكليزية بعهد طويل.
وأنني لا أرى مبرر للزعم بأن شكسبير نقل حكمه وآراءه الفلسفية عن الأدب العربي، إذ أن الشاعر في كل آن ومكان وفي أية حالة أو ظرف من ظروف الحياة، لا يخرج عن كونه أنساناً يتألم ويحس بما يحس به غيره من الشعراء عند الأمم الأخرى، وإن اختلفوا لغة وجنساً، فالحياة والطبيعة البشرية، اللتان هما المصدران الرئيسيان واللتان يستمد منهما الشاعر المخلد وحيه، إنما هما ثابتتان لا تتغيران أصلاً في كل بيئة وزمان، فشكسبير والمتنبي، وبيرون وعمر بن أبي ربيعة، وشلي وموسيه، ودانتي وأبو العلاء، جميعهم حلقوا في سماء الشعر، واختلجت في صدورهم أحاسيس وأخيلة وفكر متماثلة بعض التماثل في المعنى، وإن كانت تختلف بما ألبسته هذه المعاني الرائعة من أثواب قشيبة منمقة. لهذا ترى العباقرة في كل باب وفن يتجردون من السفاسف البشرية التافهة والهنات السخيفة التي يتمسك بأذيالها فئة الجهال، كالفروق الدينية الجنسية واللغوية، إذ يتسامى العباقرة عن كل تعصب ذميم ممقوت وينضوون تحت لواء مملكة واحدة هي فوق هذه الممالك التي تظهر متباينة الألوان على المخططات الجغرافية
ولعل هذا القول يصدق على التشابه الظاهر بين الحكم والآراء الفلسفية الواردة في شكسبير