للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والأدب العربي، أكثر منه على الخرافات والقصص العامية

فهذه تتداولها الألسن من قطر إلى قطر وتتناقلها الأجيال من عهد إلى عهد؛ ولا حرج على الأديب المنتج من تضمين أدبه قصة عامية تلقاها عن أمة أخرى بالرواية أو المطالعة. وللعالم والأديب الكبير بيزا قنصل رومانيا السابق في فلسطين. أبحاث شيقة حول موضوع شكسبير والخرافات الشرقية، وقد سرد في محاضرة له قيمة سماها:

(شكسبير والقصص العامية الشرقية) طائفة من القصص والخرافات التي كانت تدور على ألسنة العوام والفلاحين في الشرق، وحين رجع الصليبيون إلى أوربا نقلوا معهم الشيء الكثير منها، فانتشرت تلك القصص بين الخاصة والعامة في الأوساط الأوربية، فكان شكسبير أحد أولئك الذين ذكروا هذه القصص في منتوجاتهم الأدبية، وأنا لا أدري إلى أي حد تبلغ هذه النظرية من الصحة، بيد أنني وقفت على قصص عديدة في روايات شكسبير، ذكرتني بأخرى في الأدب العربي، شبيهة بها بعض الشبه.

ولا أخال أحداً طالع رواية مكبث ولا يذكر لأول وهلة قصة زرقاء اليمامة، فشكسبير قد ضمن هذه الرواية فكرة الغاب المتحرك، إذ حينما عبأ مكدوف جيشه العظيم منتقماً لوالده المغدور به، ومستعيدا ملكه المغتصب من مكبث القائد الطاغية العنيد، بعث مكبث من يستطلع أمر العدو، فاعتلى أحد جنده ربوة عالية تشرف على جيش عدوه. وبدلاً من أن يرى جيشاً لجباً، رأى غاباً كثيفاً يتحرك نحوه رويداً رويداً، فعاد الرسول وأخبر مولاه بما رأى، فأيقن مكبث أنه لا محالة هالك، إذ بذاك تتحقق نبوة الساحرات الثلاث اللاتي ظهرن له في أول عهده، وتنبأن له باعتلاء العرش، وأنه لن يلقى حتفه حتى يرى غاب برنام يتحرك نحو مقاطعة دنسنان وما كان غاب برنام الذي شاهده جندي الطليعة يتحرك إلا جيش مكدوف متستراً بأشجار اقتطعها وحمل كل جندي منهم شجرة يسير تحتها متخفياً ليتمكنوا بذلك من مفاجأة العدو، والإيقاع به على حين غرة، وهكذا أسفرت المعركة عن انهزام مكبث ولقاء حتفه على يد الابن الثائر.

وصاحب الأغاني يذكر كيف كانت زرقاء اليمامة ترى الجيش من مسير ثلاثين ميلا، وكيف أن قوماً آخرين غزوا قبيلتها، فلما قربوا من مسافة منظرها، قالوا (كيف لكم الوصول مع الزرقاء)، فأجمعوا على اقتلاع أشجار تستر كل منها فارساً إذا حملها، ففعلوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>