خُصَّ الأستاذ البشري بالإجادة البالغة في ضروب الكلام. وكتابه (في المرآة) شاهد بتفوقه في الصناعة، وأنه نسيج وحده في أسلوب الجد في الهزل والهزل في الجد، ساعده على هذا الإبداع والإمتاع تمكنه من ناصية اللغة، وقبضه على قياد الآداب، إلى ما فُطر عليه من ظرف شفاف، إذا تنادر وإذا تهكم، وأتى يودع الآن كتابه (المختار) بعض ما أبدع فيه من المقالات والمسامرات والمحاضرات، فكان له المنّة على أبناء هذه اللغة بما ينوّع لها من أصناف القول، وبما يحمل إلى مختلف الطبقات من ألفاظ ومعان وتراكيب لا يكادون يقعون عليها إلا في كلام نبغاء البلغاء.
البشريّ كالجاحظ إذا عرضت له النكتة قالها لا يبالي، وإذا اقتضته الحال أن يتهكم تهكم، يدخل السرور على قلب قارئه ويعلمه ولا يشقُّ عليه، وقليل جداً في فصحاء جيلنا من تهيأت له الذرائع إلى إتقان فنه هذا الإتقان، وقليل مثله من عرفوا الحياة ولابسوها كما أرادت ثم قابلوها بالضحك والسخرية، وقليل جداً من خبروا المجتمع المصري خبرته، فكتب ما توقع منه نفعاً في رفع مستواه الأدبي.
أحسن الأستاذ خليل بك مطران بقوله في تقدمه كتاب البشري إنه متحف حافل بالمفاخر، وإن كل طرفة من طرفه جديرة بأن تطالع في تدبر وروية وقد كسر كتابه هذا على ثلاثة أبواب (الأدب) و (الوصف) و (التراجم). فعالج في الأدب فصولاً في القصص، والنقد الأدبي، والأدب بين القديم والجديد، والأدب القومي وغير ذلك، وفي باب الوصف جوّد في مقالة (الراديو)، كما يصفه أعرابي قادم من البادية و (في الطيارة بين الماظة والدخيلة) وفي غيرها من الفصول. وفي التراجم ترجم لحسين رشدي باشا من رجال السياسة وللشيخ علي يوسف من أرباب الصحافة ولمحمد بك المويلحي من أهل الأدب. ترجم بروح جدّ فكانت ترجمته على مثال التراجم المتعارفة. أما يوم ترجم (في المرآة) مثلاً للشيخ أبي