الفضل الجيزاوي ولأحمد مظلوم باشا وللدكتور محجوب ثابت فإنه أتى بالمرقص المطرب، وربما لم يكتب لأحد من المحدثين إن وُفّق إلى مثل هذه الإجادة في تصوير الصفات والحركات بهذه الطريقة.
وبعد فإن أدب الشيخ البشري لا يتذوقه كما قال شاعر العرب مطران إلا من يدرسه ويعاود دراسته بروية وتبصر. وصاحبه واحد من بضعة المنشئين في هذا العصر، يحاولون بأسلوبهم - ولكل واحد منهم أسلوبه على حياله - أن يعيدوا إلى العربية رونقها القديم من الجزالة والسلاسة، والبعد عن السجع إلا إذا جاء عفو الخاطر.
ولعلهم موفقون إلى بلوغ الغرض الذي سددوا سهام أقلامهم إليه.
- ٢ -
أعجبني من هذا الدليل في القسم الإسرائيلي منه وصف عمال اليهود في فلسطين و (لعل أرفه حياة يعيشها عامل في العالم كله هي حياة العامل اليهودي في فلسطين) بفضل (الهستدروت) أي النقابة العامة لعمال اليهود. وهي جمعية توزع العمل على العمال وتدافع عن حقوقها وتكره أصحاب الأعمال على التقيد بأنظمتها وتؤمن حياة العمال وتجد لهم عملاً وتوزع العمل بينهم في الأزمات وعند تكاثر العمال وهبوط الأعمال. وللهستدروت شركات تعاون وقرى يعيش ساكنوها عيشة اشتراكية. قال إن الفلاحين في القرى الاشتراكية يعيشون حياة غريبة الشكل بالنسبة للشعوب الأخرى. خصوصاً الشعوب العربية. فهم لا يتناولون أجراً ولا يعرفون قيمة الدراهم. بل يعملون في قراهم بدون أجر، يأكلون ويشربون ويلبسون وينامون ويتنزهون ويتطببون ويتزوجون ويتناسلون، من غير أن يكلفوا بدفع فلس واحد، لا يعترفون برئيس ولا زعيم، ولا يجعلون للأديان السماوية سلطاناً كبيراً عليهم، وكلهم في نظر إخوانهم يتساوون في الحقوق والواجبات؛ وقد لاحظ الكاتب أنه يصعب على كل إنسان أن يعيش عيشاً اشتراكياً كما يعيش هؤلاء إلا إذا كان على جانب من العلم والثقافة، ويميل بفطرته إلى الحرية المطلقة، على ألا يستعمل هذه الحرية في خرق الأنظمة والقوانين؛ ومن أهم شركات التعاون شركة المساكن، ولها بنايات ضخمة في البلدان التي ينزل فيها العمال مثل حيفا وتل أبيب، وتتألف هذه البنايات من ١٥٠ بيتاً، ولا يختلف بعضها عن بعض إلا بالسعة، وكلها مبنية على طراز واحد استكمل شروط