المدح والغزل أهم ما طرقه من الأغراض، أما الوصف فانه يأتي عرضاً غير مقصود، وقد وصف لنا ما تبتهج به نفسه من مُتع كما ذكرنا، وأما الرثاء فهو جيد وإن كان قليلاً، وهو يجيد الرثاء والعزاء، استمع إليه حين يرثي ويعزي قائلاً:
الناس للموت كخيل الطراد ... فالسابق السابق منها الجواد
والموت نقاد، على كفه ... جواهر يختار منها الجياد
مصيبة أذكت قلوب الورى ... كأنما في كل قلب زناد
يا ثالث السبطين خلفتني ... أهيم من همي في كل واد
ويا ضجيع الترب أقلقتني ... كأنما فرشي شوك القتاد
دفنت في الترب ولو أنصفوا ... ما كنت إلا في صميم الفؤاد
خليفة الله اصطبر واحتسب ... فما وهى البيت وأنت العماد
في العلم والحلم بكم يقتدي ... إذا دجا الخطب وضل الرشاد
ولعل الظروف التي أحاطت به لم تلجئه إلى الهجاء، ولذ لا نعثر عليه فيما بين أيدينا من شعر
- ٦ -
يمتاز شعر ابن النبيه بالسهولة والرقة والعذوبة، سهولة تذكرنا بديباجة البحتري العذبة في نقاء والسلسة في امتناع، وهو مع سهولته يرتفع عن الأسلوب العامي إلا في النادر جداً، حين يجد التعبير العامي هو التعبير الذي يؤدي المعنى الكامن في نفسه تماماً، ولكنه مع ذلك يهذبه ويشذب أطرافه حتى يعلو ويرتفع. وهناك ظاهرتان أخريان فيه: أولاهما استخدامه كثيراً من الكلمات الفارسية في شعره، ولعل لمعيشته بالجزيرة وقربه من بلاد الفرس، ولحبه التجديد والتظرف أثراً في ذلك كبيراً، فأنت تسمع في شعره كلمة الملاذ