الرواية تمثل طائفة من الناس لحادث متحقق أو متخيل لا يخرج عن حدود الحقيقة أو الإمكان. فكونها تمثيلاً يخرج الملحمة لأنها حكاية صرفة، والرواية مدارها على التطبيق والعمل، فليس لمؤلفها وجود في المسرح ولا حضور في الذهن، وإنما يرى المشاهد ويسمع الأشخاص يعملون بعينه وأذنه.
وكون الحادث متحققاً أو متخيلاً يفيد أن الحقيقة التاريخية ليست شرطاً في الرواية، فيستطيع الكاتب أن يكملها بالزيادة ويجملها بالمبالغة كما فعل كوريني في (بوليكت)، أو يختلق الحادث وحده اختلاقاً كما فعل في (السيد)، أو يخترع الحادث والأشخاص اختراعاً كما فعل فولتير في (زيير).
وقولنا (لا يخرج عن حدود الحقيقة أو الإمكان) احتراس من إدخال الخوارق في الرواية، لأن قانونها الأساسي أن تكون صورة للحياة البشرية ما استطاعت. ولن تستطيع أن تتصور الحياة أو تقلدها إلا بتوخي الحوادث الحقيقية الواقعة أو الممكنة.
وشرط الإمكانية يوجب على الكاتب أن يقف عند حدود الممكن المعقول في الموضوعات المتخيلة، وأن يضحي بالواقع أحياناً إذا بعد احتماله لشذوذه وغرابته في الموضوعات المتحققة. على أن من الجائز استعمال الخوارق قليلاً في الرواية إذا كان الكاتب قادراً والمخرج المسرحي ماهراً كما وقع في رواية (فيلوكتيت) لسوفوكليس، ورواية (أتالي) لراسين؛ ومحل ذلك حين يراد تقوية الشعور وإثارة العاطفة وتحريك الهوى في شخص من أشخاص الرواية، بإبراز هواجس فكره ووساوس نفسه في صورة مشخصة مجسمة، كما صنع شكسبير بشبح (هملت) وساحرات (ماكبث). وليس من الضروري أن يهبط الآلهة والأشباح والهواتف على منصة المسرح، بل يجوز أن يحدث ذلك في ظاهرة ثم يخبر به شخص من الأشخاص، كما حدث مثلاً في حلم أتالي وبولين، وفي موت هيبولييت وأوديب.