حنانيك يا رب أفي الساعة التي يضطرب فيها البحر ويحار المركبويبعد المرفأ، يموت الربان ويختفي القطب؟ وفي الساعة التي يستحر فيه النضال بين حق العرب وباطل اليهود، وبين إيمان فلسطين وطغيان الإنجليز، يسقط القائد ويهبط العلم؟! وفي كل يوم تتجاوب أصداء الأسى في أقطار العروبة على بطولة تؤدى، أو زعامة تخلو، أو نبوغ ينطفئ أو ألفة تفترق أو وحدة تشت؟!
لا باس بالألم يجمع شتى القلوب على الإحساس المتحد، وبالخطب يروض رخو المغامز على المقاومة الشديدة، وبالموت يبعث ضارع النفوس إلى الحياة العزييزة، اما المدامع التي تجدب المشاعر، والشدائد التي توهن العزائم، والمنايا التي تقبر الأماني، فإزراء من الشر المحض والعذاب الخالص كابدتها الأمة العربية واسفاه في مصارع سعد وفيصل وكاظم؟!
روع العرب في عيد التضحية والتلبية مصاب فلسطين في حياة نهضتها وسر وحدتها وروح ثروتها المغفور له موسى كاظم باشا الحسيني، فضجت المآذن بالنعي، وفاضت الصحف بالرثاء، واضطربت الألسن بالأسف، ونال الناس من الجزع الطبيعي ما ينالهم حين يرون الركن يميل، أو النظام ينقطع، أو الدليل يغيب؛ وتساءلوا عن مصير فلسطين المعذبة بعد شيخها الذي أخلصت جوهره السنون، أحكمت رأيه السن، وشيعت قلبة العقيدة وأعلنت صوته النزاهة وقدست شخصه التضحية، فجهل الحزبية، وأنكر الطائفية، وسل أحقاد الصدور، وأذهب تنافس الأسر، وعّبأ الأمةالمغزوّة في دار أمنها، ثم قادها زهاء خمسة عشر عاما في المفاوضات بلندن، وفي المظاهرات والمؤتمرات بفلسطين، لا يقطعه يأس، ولا يردعه وعيد، ولا يخزله طمع، ولا يقعد به عبء السنين التسعين عن قيادة الشباب إلى صراع حامٍ دامٍ بين حق اعزل وباطل مسلح!! لو كانت قضية فلسطين قضية رياسة وسيادة وغلب لكان في كل مكان سبيل إلى الخلاف ودليل إلى الفرقة، ولكنها قضية الحياة والموت: وللحياة طريق تهدي إليها الفطرة، وقافلة تدل عليها الطبيعة: فالأمر من هذه الناحية مختلف بين فلسطين وبين العراق ومصر.
ولا ريب أن المستقبل الذي يتمثل لشباب فلسطين في ابشع صوره سيذهلهم عن نعرة