يدهش المؤرخون من حياة بعض العلماء ومن نتاجهم المليء بالمبتكرات والنظريات والآراء، ويحيط هذه الدهشة إعجاب إذ يرون هؤلاء المنتجين يدرسون العلم للعلم وقد عكفوا عليه رغبة منهم في الاستزادة وفي كشف الحقيقة والوقوف عليها. ومما لا شك فيه أن هذا النفر كان يرى في البحث والاستقصاء والمتابعة لذة هي أسمى أنواع اللذات، ومتاعا للعقل هو أفضل أنواع المتاع، فنتج عن ذلك تقدم في فروع العلوم المختلفة أدى إلى ارتقاء المدنية وازدهارها.
ولقد كان في العرب نفر غير قليل رغبوا في العلم ودرسوه حبا في العلم وعرفوا حقيقة اللذة العقلية فراحوا يطلبونها عن طريق الاستقصاء والبحث والإخلاص للحق والحقيقة والكشف عن القوانين التي تسود الكون والأنظمة التي يسير العالم بموجبها.
ومن هؤلاء ثابت بن قرة فقد كان من الذين تعددت نواحي عبقريتهم، فنبغ في العلم والطب والرياضيات والفلك والفلسفة ووضع في هذه كلها مؤلفات جليلة، ودرس العلم للعلم، وشعر باللذة العقلية فراح يطلبها في الرياضيات والفلك فقط فيها شوطاً بعيداً وأضاف إليها ومهد إلى إيجاد أهم فرع من فروع الرياضيات - التكامل
كان ثابت يكنى بأبي الحسن، ويعجب كثيرون من هذه الكنية لأن (ثابتاً) لم يكن له ولد أسمه حسن، ولكن الثابت أنه كان له ولدان أحدهما اسمه سنان والآخر إبراهيم. وكنية (أبى الحسن) هي لسنان بن ثابت. أما سبب تكنية ثابت بأبي الحسن فلأن الخليفة المعتضد كان يكنيه بها تحببا.
ولد ثابت في حران سنة ٢٢١هـ، وتوفى في بغداد سنة ٢٨٨هـ (وكان في مبدأ أمره صيرفيا بحران ثم انتقل إلى بغداد واشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها وبرع) ويقال إنه حدث بينه وبين أهل مذهبه (الصابئة) أشياء أنكروها عليه في المذهب، فحرم عليه رئيسهم دخول الهيكل، فخرج من حران وذهب إلى كفر توثا حيث اتفق أن التقى لمحمد بن موسى الخوارزمي ولدى رجوعه من بلاد الروم فأعجب هذا بفصاحة ثابت وذكائه فاستصحبه معه