انبسطت حقول الأرز حول القرية الساكنة الشاحبة، وهدأ الليل الفضي إلا من ضفادع تنق، ونسمة ترف فتحرك أغصان (الجميزة) الكبيرة التي ترسل فروعها فوق شاطئ النيل من جهة، وفوق (الدَّوّاَر) الواسع في شرق القرية من جهة أخرى؛ وسفر البدر الجميل الساحر، ففضض عباب النيل، واختلط لجينه بمائه النجاشي، وتدفق فوق (اللسان) الحجري الأبيض الذي أقاموه ليفل من غربه فأحدث خريراً موسيقياً بديعاً.
وجلس (حماده) بن العمدة في منعزل عند ضفة النهر مما يلي الماء ينتظر فاطمة. . . الفلاحة الصغيرة الجميلة، التي رآها ابن العمدة حاسرة عن ساقيها وهي تنقي الأرز مع الفلاحات الأخريات، فجن بها جنوناً، وافتتن بها افتتانا.
لقد رشقت قلبه بنظرةٍ ماكرة حين رأته يكاد يأكلها بعينيه الجائعتين، وحين أحسَّت أنها حلت من فؤاده منزلة لا تعدلها منزلة فتاة أخرى، حتى ولا زوجته الغنية التي بني بها منذ شهر وبعض شهر، فكان لعرسها صدى أي صدى في كل القرى المجاورة، لا سيما وقد غنى فيه المطرب المشهور الشيخ عبد الإله. . والعياذ بالله. . .
ولسيقان الفلاحات جمالها الرائع، وهي دائما محاطة بظل من الفتنة، يزيده الخلخال النائم على العقبين، والملاءة السوداء القصيرة، رونقاً ورواء. وكان لفاطمة جيد بارز وقوام ممشوق، وكان لها عنق طويل أبيض، يزينه عقد كبير من الكارم الأصفر، ينتهي بحلية من النحاس المصفح بالذهب فتقر على الصدر، عند انفراج الثديين، فتزيد اهتزازات النهد خفقاناً في قلب حمادة. . . حمادة المسكين. . . الذي ربط حياته أبوه بحياة هذه الزوجة الغنية التي لم يحبها، والتي ألقاها أبوه على كاهله حملاً ثقيلاً من الهم والشقاء. . . والذهب!! والذهب لا يصلح علاجاً للهم والشقاء مهما كان كثيرا طائلاً.