لقد كان حمادة فتى ذكيا من فتيان الأزهر، فقطعه أبوه عن العلم ليزوجه هذه الزيجة الغنية قبل أن تفلت من يده، لأن أبناء العمد في القرى المجاورة كانوا قد بدءوا يخطبونها إلى والدها، وقد غادر حمادة الأزهر وفي قلبه حسرة، ولكنه خضع لمشيئة والده بعد أن خدعه بالأماني والآمال، وبعد أن زين له مستقبلاً مليئاً بالحور العين والدعة، وبعد أن بغض إليه مستقبل التحصيل الأزهري الشاق بتكرار هذه العبارة المنكرة:(الأزهر ما مستقبله؟ علومه ما قيمتها؟ أتريد أن تفقد بصرك وصحتك لتكون مأذوناً شرعيً آخر الأمر مثل الشيخ عرفه؟).
وتزوج حمادة من نظيرة، فلما كانت ليلة العرس، ودخل إلى عروسه، دارت به الأرض، وشعر كأن هواء الغرفة يخنقه، وانطفأت في عينيه الشموع الكثيرة الموقدة في (الصواني) النحاسية تحملها القرويات الصغيرات، وخيل إليه كأن جهنم بكل ما فيها من سعير تزفر من لهب هذه الشموع فتكاد تحرقه.
لقد نظر إلى عروسه فطاشت أحلامه؛ وذهبت أمانيه في الجمال الذي كان ينشده أباديد. . . حمادة، الذي كان يعبد الله في الجمال يبتليه أبوه بهذه المرأة التي فقدت نصف أذنها اليمنى، وأتلف الجدري أنفها، ونما لها في كل يد إصبع سادس ما ينفك يرقص كأنه الجلجل الصغير في عنق الدابة، ثم هي قصيرة مكلثمة شائهة، وقد زادتها الأساور والقلائد والقرط والخواتم وأرطال الذهب قبحاً على قبحها.
وتذرع حمادة بالصبر، ولم يشأ أن يجرح عزة هذه العروس التاعسة التي ليس ذنبها ألا تكون جميلة، فهي لم تخلق من نفسها شيئاً، بل هو قد رحمها وأشفق عليها رثاء لها؛ وصرف أهله وأهلها، وغلَّق الباب، وخلا إليها، ثم راح يكلمها كلام الذاهل عن تفسه، المستسلم لقضاء الله. . . ولكنها لم ترد عليه، بل تركت دمعة غليظة تنحدر على خدها فجأة، ثم استخرطت بعد ذلك في البكاء.
- (ما الذي يبكيك يا. . .)
- (لا شيء! فقط، كنت ولا زلت أعتقد أنني لم أكن أصلح لك كزوجة، ولكنهم أرغموني كما أرغموك يا حمادة، فليس هذا الذنب ذنبي!).