للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[لبنان الشرقي]

مصطاف الزبداني

للأستاذ عز الدين التنوخي

أنا اليوم مصطاف من لبنان الشرقي في وادي الزبداني الذي لو نزله من قبل لامرتين لوصفه بما لم يصف به وادي حمانا في لبنان الغربي، ولا سيما بجفاف الهواء، وصحة الماء، واعتلال النسيم، واعتدال الإقليم

أجل، إن لبنان الشرقي ليمتاز بجفاف الهواء لبعده عن رطوبة البحر ولقربه من البيداء، ولذلك وصفه مشاهير الأطباء للمصابين بأمراض الرطوبة كالرثية - الرومتيزم - والسل وعرق النسا، ووصفوه لعين (بُقَّين) التي تكاد تكون منقطعة النظير بين عيون بلاد الشام كلها في صفائها وخفة مائها، وما اشتملت عليه من عناصر تذيب الرمل والحصاة، وتزيد في الهضم ما تشاء فتتعب الطهاة. ولقد أشرت إلى عجيب تأثيرها في السنة الماضية حينما وصفت في هذه الرسالة عين الصحة المنبجسة من جبال حمانا في لبنان الغربي

ليس مجال القول ذا سعة فأسهب في وصف وادي الزبداني الجميل، ولذلك اقتضبت الكلام في تحليته اقتضاباً: بذكر ما فيه من الطرق المعبدة والمغاني والمباني، وبيان ما استوفاه من منافع وروائع تبر المصطافين وتسر الناظرين. . .

يمتد وادي الزبداني الجميل من الجنوب إلى الشمال بين طودين أو سلسلتين من الجبال الشرقية والغربية، وعلى سفوح الطود الشرقي تضطجع قريتا مضايا وبُقَّين وقصر الجرجانية الأندلسي، وقرية بلودان أعلى قرى الوادي وفيها الفندق الفخم الذي يعد من أجمل قصور الفنادق الشامية، وفي الجانب الشمالي من بطن الوادي قامت قرية الزبداني أم القرى، ومهوى قلوب الورى

إن شرايين الحياة في هذا الوادي هي طرقه الكثيرة المعبدة المزفتة، والزفت شاع أنه نعت سوء في كل شيء إلا في الطرق، فإنه وصف خير ونعت يمن فيها يلبد غبارها ويقي السالك عثارها، منها الطريق السلطانية التي تصل دمشق بالزبداني، وطريق مزفتة تصعد من الزبداني إلى بلودان، وأخرى مثلها تربط الزبداني بالجرجانية وبقين ومضايا، وطريق مخضرة أخرى تصل قريتي بقين ومضايا بطريق دمشق على مقربة من مفرق طريق منبع

<<  <  ج:
ص:  >  >>