قرأت نقدا أو تعليقا أو تصويبا أو أي شيء آخر عن كتابي (طرائف). وما كنت أحب أن أتناول الموضوع من جديد. غير أنه يحلو لي أن أشكر (الذي فكر في أن يصفني بالكاتب الصحفي) على هذا الوصف الجميل ثم أقول: (أن الكتاب كله (سخائف) ما في ذلك شك. والأسخف منه أن يمضي الكاتب في قراءة (سخائف) ويقيني أنه وهو الرجل الفاضل المتدين المتفقه في اللغة ما كان يجدر به أن يحمل نفسه عناء القراءة ثم الكتابة لو كان لديه (فسحة) من الفضل والأدب والدين.
فالمفكر العميق لا يمضي في قراءة البسائط. ورجل الدين المتعلق بإذا بليتم فاستتروا، ليس له أن يقف أما أبواب الحانات وأن يتسكع مع (الثقاة) و (السعادة) و (البغاة) وإنما عليه أن يمر باللغو كريما. وقد همس الدين بإذنه هذه الهمسة للطيفة الطيبة
وليس أسمي (محمدا) وإنما أسمي محمود فلعل في هذا التصويب ما يطمئن على أن اسم محمد من الفضل بحيث لا يقع في أمور اشمأز لها الناقد أو المعلق أو المصوب أو الشيء الآخر.
وماذا افعل - وقد ازدحمت أخطاء المطبعة - مع ما أنا عليه من أخطاء، وتكاتفت كلها متعاونة متآزرة حتى ظهر الكتاب على هذا النحو من السخف وضلال الرأي وقلة الحيلة.
والكتاب فيه أكثر من مائة وعشرين صفحة. لم يقع أخو القلم إلا على (غلطة) قد تكون صحيحة منى أو مطبعية من العمال ولكنها واحدة لي لا علي. وأحب أن أقول له أنني (بالذات) قد أحصيت أكثر من ألف غلطة بعد أن طبع الكتاب، فلو أراد صديق الرغبة في النقد إلى آخره أن يقف على هذا العدد فأنا على استعداد لأضع إصبعه عليها عندما يريد.
محمد صاحب الرسالة (عليه السلام) لا محمد صاحب السخائف (عليه اللعنة) كان رقيق العاطفة، واسع الفكر، كريم الملاحظة، وكأن في يده السف يستطيع أن يضرب به عنق من يخرج على أصول الدين، ولكن الذي أدبه ربه فاحسن تأديبه كان يتناول الأمور بما هو عليه من رقيق العاطفة وواسع الفكر، وكريم الملاحظة، فكأن يعالج هذه الأمور بروح عالية، روح العالم بالآداب والأخلاق وما انطبعت عليه النفوس من خصائص ومميزات.