يجمل بي قبل الشروع في الموضوع أن أشيرَ إلى أن الكتابةَ القصصية يجب أن يتوافرَ فيها ركنان: الأولُ: الموهِبة، والآخر: جريُ القصة على قواعدَ وأساليبَ متعارَفة. شأنها في ذلك شأنُ الشعر، لابد من توافر ركنين فيه: الشاعرِية، وصحةِ النظم
ومما لا جدالَ فيه أننا قد نجد الشاعر الموهوب، أعنى من يَلْهم المعانيَ الشعرية، فيفيض بها وجدانه من غير تعمّل، فإذا حاول النظمَ لم تستقم له الأبيات، لقلة بِضاعته من قواعد العَروض، وحداثة عهده بصوغ الشعر. ومثلُ هذا لا يُعد شاعراً تاماً حتى يُكمل ما نقصه بالتعّلم والمرانة
وكذلك الشأن في القاصِّ، فقد نجد من أوتى الموهبة، أعنى الذي يُلهم فكرةً أو موضوعاً قصصياً له قيمة؛ ولكنه ناقصُ القدرة على معالجة موضوعه أو فكرته بالأساليب المقبولة عند أهل الفن في نَسْق القصة. وفي مثل هذه الحالة لا يسعنا أن نعتبر ذلك الموهوبَ قاصّاً مكتملَ النضج
وإذن يجب أن يتوافر للقاص الكامل هذان الركنان معاً؛ فأما الأول، وهو الموهبةُ، ومَعِينها الخيالُ المنسرح، والذهنُ المتوقد، والعاطفةُ المشبوبة، فلا كلام لأحد فيه، إذا هو شئ طبيعي، فإن وُجد في الكاتب تهيأ ليكون قاصّاً في المرحلة الأولى. وأما الركن الآخر، وهو الاستئناس بالأساليب المتعارفة، فذلك الذي نخصه بالكلام، لأنه صناعة، مرجعُ الأمر في امتلاك ناصيتها للتمرين والاكتساب
وقد يتوهم البعض - ونحن نذكر القواعد التي يجب على الكاتب القصصي مراعاتها - أننا إنما نطغى على حقه في اتخاذ طريقة خاصة تلائم هواه، ونحدُّ من حريته في اتباع المذهب الذي يراه. والواقع الذي لا يمكن التغافل عنه أن هناك قوانينَ عامةً مرعية الجانب في التأليف القصصي، على اختلاف المذاهب والأهواء، وأنه إذا خلت القصة من مطابقة هذه القوانين العامة، شعرَ الناقد لأول وهلة بأن هنا اختلالاً ظاهراً، وأن هنا شيئاً يجب أن يُبدَل به شيء، لا دَخْل في ذلك للطريقة الخاصة، ولا للمذهب الخاص
وهل ينكر أحد أن كل شأن في الحياة يسير - في جوهره ولُبابه - وفَق نظام وقانون؟ تلكم