هي السيارة، فربما اختلفت أصنافها وأشكالها وعُددها أيّما اختلاف؛ بيد أنها - مع هذا كله - يجب أن تكتمل فيها أدوات عامة مشتركة، إذا فقدت واحدة منها تعطلت السيارة على الفور. وما القصة إلا عمل فنّي من نتاج الفكر، يسير كأمثاله من الأعمال الفكرية على نظام دقيق، خاضع للناموس العام المعترف به في جميع ألوان الأدب
كذلك قد يعترض علينا معترض فيما نلزم الأخذ به من هذه الأصول والقوانين، فيرى أن الفنان العبقريّ يصدر عنه العمل الفنيّ المشهود له دون تعلم ودراسة، ودون تدّرج وتدريب. وجواب ذلك أن كبار الفنانين العباقرة، إنما يفهمون هذه الأصول والقوانين بالفطرة الفذّة، ويهتدون إليها بالسليقة النيرة؛ فهم يخرجون أعمالهم الفنية بوحي من قرائحهم الممتازة التي يكمن فيها النبوغ. وليس أدلَّ على ذلك من أننا لو سألنا أحدهم عما صنعه في تأليف هذه القطعة أو تلك، وماذا لاحظ، لم يُحرْ جواباً. لأن ما أنتجه صدر عن غير وعي منه
وقصارى ما نقرره، أن هذه الأصول والقواعد التي نلخصها في العُجالة التالية، ليست إلا أقيسةً وموازين استخلصت لتكون أساساً تُبنى عليه الأحكام في تقدير القصص الفني؛ فأن حرمت أن تكون عادلة كل العدل، لم تحرَمْ أن تكون أدنى إلى الصدق وأحق بالاعتبار
ثم إن هذه الأصول والقواعد، تبِّصر القَصصي إلى حد ما بصناعة الكتابة في هذا النوع من الأدب، وترشده إلى الخطوط الرئيسية في القصة، وتَقِفُه على المميزات الأولى بين الخطأ والصواب في النسق. وما أشبهها في هذه الحالة بعلم البيان والمعاني والبديع، فعلى الرغم من أن الكلمة الأولى والأخيرة في البلاغة للذوق السليم، وخضوع الكلام لمقتضى الحال - وضع العلماء قواعد وأصولاً تتوضح بها أركان البلاغات، فقالوا: هذه كلمة فصيحة، وهذه جملة بليغة، لتُميُّزها بكيتَ وكيتَ، وخلوِّها من كذا وكذا. ومعلوم أن هذه القواعد لم توضع أولاً، ثم طلب من الكتاب والمنشئين أن يَجْروا عليها؛ وإنما كانت هذه القواعد نتائج مستخلصة من أمثلة بليغة، أقر أهل البلاغة بسموها، واتفقوا على جودتها، فاستخرجوا منها الأسباب التي رفعتها إلى هذه الدرجة، وسرعان ما تحولت هذه الأسباب إلى قواعد.
وذلك هو صنيعنا نحن الآن في القواعد والأصول التي نعالج بسطها، ونقول إن القصة